والعراقيين والمصريين، أو لم يروه إلا أهل بيت خاص، كنسخة بُرَيْد عن أبي بردة عن أبي موسى، ونسخة عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده. وربما كان الصحابي مقلًا غير مشهور لم يحمل عنه إلا عدد قليل، فمثل هذه الأحاديث قد لا تصل إلى عامة أهل الفتوى قبل التدوين.
وقد طاف جهابذة الحديث أقطار البلاد الإِسلامية، فجمعوا الكتب ودونوا السنن، وتتبعوا ما جمعه طلبة العلم في نسخهم، فبينوا صحيح الأخبار من سقيمها، ونفوا ما فيها من الموضوعات، وأوضحوا ما فيها من الشاذ والمنكر.
وقد اجتمع باهتمام أولئك الأعلام من الحديث والآثار ما لم يكن مجموعًا من قبل، ويسروا للأئمة الاطلاع على هدي النبي ﷺ وصحابته، مما لم يكن ميسورًا من قبل لكل أحد، وخلص إليهم من طرق الأحاديث شيء كثير، حتى كان بعض الأحاديث عندهم له مائة طريق فما فوق، فكشف بعض الطرق ما استتر في بعضها الآخر، وعرف على كل حديث من الغرابة والاستفاضة وأمكن لهم النظر في المتابعات والشواهد، واجتمعت عندهم آثار فقهاء كل بلد من الصحابة والتابعين.
وكان كثير من أهل الفتوى قبلهم لا يتمكن إلا من جمع حديث بلده وأصحابه ومن يلتقي به.
وقد ظهر على الطبقة التي عاصرها أحمد أحاديث صحيحة كثيرة، وآثار عن صحابة النبي ﷺ كثيرة لم تظهر على أهل الفتوى من قبل، ويؤيد ذلك أن الشافعي قال لأحمد: أنتم أعلم بالأخبار الصحيحة منا، فإذا كان خبر صحيح فأعلموني حتى أذهب إليه كوفيًا كان أو بصريًا أو شاميًا (١).
فلم تكن مسألة من مسائل الفقه ترد على من تضلع بالحديث وتشبع بالآثار وتسنم ذروة الاستنباط والاجتهاد، إلا وجد لها حلًا في حديث صحيح أو حسن أو صالح للاعتبار، أو وجد أثرًا من آثار الشيخين أو سائر
_________
(١) انظر حجة الله البالغة ١/ ١٤٨ - ١٤٩ ومفاتيح الفقه الحنبلي ١/ ٣٨٦ - ٣٨٨.
1 / 22