إن لنا حديثا وأمرا آخر يحقق قولنا هذا وذلك أنه في أول ما يقع المنى في الرحم إنما يجري من المرأة إلى الرحم من أول الأيام دم قليل لأنه إن كثر أو جرى بغتة سريعا لم يدع المنى أن يتنفس ولكنه يختنق من كثرة الدم فهو يحبس ويجري منه قليلا قليلا ويحتبس بعضه إلى حين الولاد فإذا خرج الجنين كان خلاف ذلك فينزل الدم الذي احتبس في تلك الأيام كثيرا ثم إنه ينقص قليلا قليلا حتى يفنى.
إنا قد رأينا كثيرا من الناس قد فسدت الأجنة فيهن ثم خرجت من بعد ثلاثين يوما من غير أن تكون فيها مفاصل متبينة.
إنه إذا سقط الجنين من بعد ثلاثين يوما رؤيت جميع مفاصله مركبة.
إنما يدرك هذه من النظر إلى السقط لأن السقط إذا سقط ليس يسقط بحيلنا نحن بل إنما يسقط من قبل نفسه فأما سبب الأنثى فإنه أخيرا وسبب الذكر أولا وذلك لضعف الأنثى ورطوبتها لأنها أضعف وأرطب من الذكر وضعفها ورطوبتها سبب بطاء تركيب مفاصلها وسبب نزول الدم الكثير بعد الولاد.
فأما الآن فقد ينبغي لنا أن نرجع إلى ما كنا فيه
[chapter 19]
فنقول إنه إذا تركب الجنين وتألفت مفاصله كبرت أعضاؤه وتصلبت عظامه وتجوفت مثل الحضون وذلك بالروح فإذا تجوفت العظام جذبت من الجسم دما دسما ويحتبس ذلك ويتحرك في رؤوس العظام مثل تحركه في رؤوس الشجر وأوصال أغصانها وكذلك يتحرك الجنين ويصلب.
إنه تستبين أصابعها وتنفصل بعضها من بعض.
إن المنى لأنه حار يستنشي الهواء ويتنفس أيضا.
Page 63