D'un point de vue philosophique
من زاوية فلسفية
Genres
كذلك إن قرر لنا الإدراك الفطري أن في العالم خيرا، كان وجود الخير أمرا لا ينازع فيه، وتصبح مهمة الفلسفة تحليل العبارة التي تقول «هذا خير» لا أن تتشكك في صوابها.
وكان من أهم ما كتبه مور فصل بعنوان «دحض المثالية» يحلل فيه موقف الفلاسفة المثاليين تحليلا يظهر بطلان مذهبهم؛ فهذا المذهب محوره الرئيسي هو المبدأ القائل بأن وجود الشيء هو وقوعه في خبرة ذات ما. ولما كانت خبرة الذات روحانية في طبيعتها وليست مادية، كان الوجود كله روحانيا في طبيعته فيتناول مور مبدأهم هذا بالتحليل ليبين أنه ينطوي على تناقض؛ لأنه إذا كان هذا المبدأ صادقا كما يزعم له أصحابه، فلا يخرج صدقه هذا عن أن يكون إما صدقا تحليليا أو صدقا تركيبيا، (والصدق التحليلي هو الذي يقام عليه البرهان بقانون عدم التناقض وحده؛ فيكفي أن يكون الشطر الثاني من الجملة متضمنا في الشطر الأول منها، وألا يكون بين الشطرين تناقض، لنقول عن الجملة إنها صادقة صدقا تحليليا. وأما الصدق التركيبي فهو ما لا يكتفى في البرهان عليه بقانون عدم التناقض وحده، بل لا بد كذلك من صدق الجملة على الواقع).
نقول إن صدق هذا المبدأ إما تحليلي أو تركيبي بالمعني الذي حددناه الآن لهاتين الكلمتين؛ فإن كان تحليليا، كانت كلمة «خبرة» وكلمة «وجود» مترادفتين ولم يكن المبدأ دالا على شيء سواء أكان صادقا أم كاذبا، فذلك شبيه بأن تكرر كلمة «الورقة» مثلا مرتين: فتقول الورقة الورقة، فلا يكون ذلك دليلا على وجود ورقة أو عدم وجودها. وأما إن كان صدق مبدئهم تركيبيا، احتاج الأمر إلى واقع موجود خارج الذات نفسها لنراجع المبدأ عليه فنعرف إن كان صادقا حقا أو غير صادق، وما دام هنالك واقع خارج الذات، بطل أن يكون الوجود منحصرا في الذات وحدها.
على أن هذه اللمحات القصيرة التي قلتها عن بعض الجوانب التي تناولها مور بتحليلاته، ليست بذات نفع كبير؛ لأن أهم ما في فيلسوفنا هو طريقته في التحليل، وليس هو هذه النتيجة المعينة أو تلك في الميتافيزيقا أو في الأخلاق أو في غيرهما من موضوعات البحث الفلسفي.
1
ولد برتراند رسل سنة 1872م. وقد جاء في الترجمة الذاتية الموجزة التي كتبها عن نفسه ما معناه:
ماتت أمي وأنا في الثانية من عمري، وكنت في الثالثة حين مات أبي، فنشأت في دار جدي لورد جون رسل، ثم مات جدي، فتولتني بالتعليم جدتي، فكانت أقوى أثرا في توجيهي من أي شخص آخر، وقد أرادت جدتي هذه لأولادها ولأحفادها أن يحيوا حياة نافعة فاضلة، ولم يكن بها ميل أن ينصرف أولئك الأولاد والأحفاد في حياتهم إلى ما قد تواضع سائر الناس على تسميته بالنجاح. وكانت بحكم عقيدتها البروتستانتية تؤمن بضرورة أن يكون للأفراد أنفسهم حق الحكم على الأشياء، بحيث يكون لضمير الفرد سلطة عليا. وكانت مكتبة جدي هي غرفة دراستي وموجهة حياتي، فكان فيها من كتب التاريخ ما أثار اهتمامي:
وحدث حادث عظيم في حياتي عندما كنت في عامي الحادي عشر، وهو أني بدأت دراستي لإقليدس، الذي لم يزل عندئذ هو المتن المعترف به في دراسة الهندسة، وأحسست بشيء من خيبة الرجاء، حين وجدته يبدأ هندسته ببديهيات لا بد من التسليم بها بغير برهان؛ فلما تناسيت هذا الشعور، وجدت في دراسته نشوة كبرى، حتى لقد ظلت الرياضة بقية أعوام الصبا تستوعب شطرا كبيرا جدا من اهتمامي.
وذهبت إلى كيمبردج في سن الثامنة عشرة، وكنت قد عشت حياة معتزلة إلى حد بعيد؛ ذلك أني نشأت في داري على أيدي مربيات ألمانيات، ثم انتهى أمري بعد ذلك إلى مربين من الإنجليز، فلم أخالط الأطفال إلا قليلا، وحتى إن خالطتهم وجدتهم لا يثيرون من نفسي اهتماما بأمرهم. ولما كنت في عامي الرابع عشر أو الخامس عشر، اهتممت بالدين اهتماما شديدا، وجعلت أقرأ مفكرا في البراهين التي تقام على حرية إرادة الإنسان وعلى خلوده وعلى وجود الله. وقد كان يشرف على تربيتي لبضعة أشهر أستاذ متشكك، فكنت أجد الفرصة سانحة لمناقشته في أمثال هذه المسائل، لكنه طرد من عمله، ولعلهم طردوه لظنهم أنه يهدم لي أساس إيماني ، فإذا استثنيت هذه الأشهر التي قضيتها مع هذا الأستاذ وجدتني قد احتفظت بفكري لنفسي، أدونه في يوميات بأحرف يونانية حتى لا يقرأها سواي؛ لهذا كنت أشقى شقاء من الطبيعي أن يعانيه مراهق معتزل عن الناس، وعزوت شقائي عندئذ إلى فقداني للإيمان الديني.
فلما ذهبت إلى كيمبردج انفتح أمامي عالم جديد من نشوة ليس لها حدود، إذ وجدت للمرة الأولى أنني إذا ما صرحت بما يدور في خلدي من أفكار، صادف عند السامعين قبولا، أو كان عندهم - على الأقل - جديرا بالنظر؛ وكان وايتهد هو الذي اختبرني في امتحان الدخول، وقد ذكرني لكثيرين، فلم يمض أسبوع واحد حتى التقيت بمن أصبحوا بعد ذلك أصدقاء العمر كله، وهم نفر يتميزون بقدرتهم العقلية وتحمسهم وأخذهم الأمور مأخذ الجد، وكانوا يتناولون باهتمامهم أمورا كثيرة خارج نطاق عملهم الجامعي، فيولعون بالشعر والفلسفة، ويناقشون السياسة والأخلاق وشتى نواحي العالم الفكري، فكنا نجتمع أماسي أيام السبت لندخل في مناقشات تطول حتى ساعة متأخرة من الليل، ثم نلتقي على إفطار متأخر صباح الأحد، ثم نخرج معا للمشي بقية اليوم.
Page inconnue