D'un point de vue philosophique
من زاوية فلسفية
Genres
وكذلك كان من الدارسين الذين خدموا التصوف الإسلامي بمؤلفاتهم ونشراتهم الأستاذ سليمان دنيا وبخاصة عن الإمام الغزالي، وكذلك قل عن المرحوم الدكتور زكي مبارك، والدكتور أبو الوفا التفتازاني عن ابن عطاء الله وابن سبعين.
ولو جاز لنا أن نلخص النتائج التي وصل إليها الباحثون في ميدان الفلسفة الإسلامية بكل فروعها، في عبارة موجزة، لقلنا إنهم جميعا ينتهون إلى أن الفلسفة الإسلامية متميزة بطابع مستقل، وليست هي مجرد أصداء شارحة لفلسفة اليونان أو غيرها.
6
على أننا لم نذكر فيما ذكرناه من نشرات للتراث، ومن ترجمة للفلسفة الغربية، ومن تأليف مذهبي وغير مذهبي، لم نذكر في كل ذلك جهودا ضخمة قام بها رجال الفلسفة في مصر الحديثة، بما نشروه من مؤلفات وفصول أكاديمية في موضوعات اختصاصهم، فللدكتور عبد الحميد صبرة جهوده في فلسفة العلوم، وللدكتور زكريا إبراهيم سلسلة مؤلفات، كل منها يختص «مشكلة» بالبحث، كمشكلة الحرية، ومشكلة الفن، ومشكلة الإنسان، ومشكلة الفلسفة نفسها. وهو في تأليفه ينزع منزع الفلسفة الوجودية بصفة عامة. وللدكتور يحيى هريدي مؤلفاته في الفلسفة الحديثة والمعاصرة، وهو يحاول أن يخرج مما يكتب بوجهة نظر خاصة يريد لها أن تكون مصطبغة بصبغة «عربية» متميزة. وللدكتور فؤاد زكريا بحوثه عن نيتشه وسبينوزا وعن المعرفة والوجود. وكذلك يكتب الدكتور محمد فتحي الشنيطي عن مختلف الاتجاهات الحديثة والمعاصرة من هيوم ووليم جيمس إلى كارل يسبرز.
وإن القصة لتطول بنا لو أردنا إحصاء كاملا أو شبه كامل. وإنني لعلى يقين من أنني قد سهوت عن ذكر مؤلفات لها أعظم الأهمية في محيطنا الفلسفي، وعن ذكر مؤلفين لا يقلون قدرا عمن ذكرناهم، لكنه فصل موجز نكتبه عن نشاطنا الفلسفي الحديث، الذي إن اختلفت فيه الاتجاهات والمذاهب، فهو منصرف كله إلى تحقيق هدف واحد، وهو أن يضمن للإنسان حريته، وأن يجعل منطق العقل مدار أحكامه.
من معاركنا الفلسفية
1
أم المشكلات في حياتنا الفكرية هي محاولة التوفيق بين تراث الماضي وثقافة الحاضر، فمن الماضي تتكون الشخصية الفريدة التي تتميز بها أمة من أمة، ومن الحاضر تستمد عناصر البقاء والدوام في معترك الحياة؛ فالأمة العربية عربية بما قد ورثته عن الأسلاف من عوامل، أهمها اللغة العقيدة ومواضعات العرف، وكذلك نقول إن الأمة العربية قد استطاعت الصمود في دوامات هذا العصر الجارفة العنيفة، بمقدار ما استطاعت أن تساير حضارة العصر في وسائله وتصوراته، وإنها لتقع بين ماضيها وحاضرها في مأزق حرج، فإذا هي اقتصرت - من جهة - على فكر الماضي وطريق عيشه ووجهة نظره، جرفها الحاضر في تياره، لأن له من الوسائل المادية ما لا قبل لها بدفعه، وإذا هي اقتصرت - من جهة أخرى - على الحاضر وعلمه وفنه وسائر معالمه، ضاعت ملامح شخصيتها، وانطمست فرديتها، ولم يعد لها وجود إلا كما يكون لقطرة الماء في البحر المتجانس وجود متميز خاص. فهل من سبيل إلى التقاء الطرفين في مركب واحد، يزيل ما بينهما من تباين وتضاد، ويؤلف بينهما في نسيج ثقافي متسق منسجم، يكون هو ما نطلق عليه اسم الثقافة العربية المعاصرة؟ ذلك هو السؤال الذي ألقي في حياتنا الفكرية منذ قرن أو يزيد، والذي كانت محاولة الإجابة عنه، إجابة مقنعة، هي ميدان الصراع بين المفكرين بعامة، ورجال الفلسفة من هؤلاء المفكرين بخاصة.
إن محاولة التوفيق بين تراث الماضي وثقافة الحاضر (أو ثقافة الغرب حاضرها وماضيها على السواء) مشكلة بالنسبة إلى كل مجتمع متطور، فقد شهدناها عند العرب الأقدمين في محاولتهم التوفيق بين العقل والنقل - بين فلسفة اليونان وأحكام الشرع. وشهدناها عند مفكري الغرب إبان القرون الوسطى في قيامهم بالمحاولة نفسها التي حاولها فلاسفة المسلمين. وشهدناها في النهضة الأوروبية حين حاول أعلامها الجمع بين النهضة العلمية في عصرهم وبين التراث الكلاسيكي الذي ابتعثوه عن أسلافهم الرومان واليونان، كما شهدناها في روسيا القرن التاسع عشر بين الثقافة السلافية وثقافة غربي أوروبا؛ لكن محاولة التوفيق هذه أشد إشكالا وتعقيدا بالنسبة إلى الشعوب الآسيوية والإفريقية - بما في ذلك الأمة العربية - التي ظفرت بحريتها حديثا من براثن المستعمرين، وذلك لأن المشكلة قد أضيف إليها من العناصر ما زادها عسرا، فمن هذه العناصر المضافة أن ثقافة العصر التي يراد التوفيق بينها وبين تراث الماضي، هي نفسها ثقافة المستعمر، وإنه لعسير على النفس أن تقبل على ثقافة ارتبطت عندها بمن استغلها واستذلها، واستهان بثقافتها وعقائدها. فإذا كان المستعمر كريها ممقوتا، فكذلك كانت - عند معظم الناس - ثقافته المرتبطة به؛ إذ ليس من اليسير على الكثرة الغالبة من الناس أن تقوم بعملية التجريد العقلية التي تفصل بين المستعمر وثقافته، بحيث ترفض الأول وتقبل الثاني؛ ولهذا سرعان ما ارتبطت النزعة القومية من جانبها السياسي الذي حاول الفكاك من قيود المستعمر ليظفر بالحرية والاستقلال، سرعان ما ارتبط هذا الجانب السياسي من الحركة القومية، بالجانب الثقافي الذي حاول تثبيت الجذور المحلية في تربة الأرض، لتعود إلى الأمة شخصيتها التي أوشكت على الضياع، فرأينا حركة إحياء شامل لما كان قد اندثر - أو أوشك - من مقومات الحياة الماضية إبان قوتها، وفي مقدمة هذه المقومات العقيدة الدينية، لا لأن هذه العقيدة هي في حقيقتها من أهم أركان البناء الثقافي - إن لم تكن أهمها جميعا - فحسب، بل لأنه قد تصادف أن عقيدة المستعمر في معظم البلاد الآسيوية والإفريقية مخالفة لعقيدة الشعب في هذه الأمة أو تلك، كالإسلام في الشرق العربي، وكالهندوكية أو البوذية في الهند وبلاد الشرق الأقصى، فكان من الطبيعي - إذن - أن تقترن الحركات الوطنية بالدعوة إلى إحياء العقيدة الدينية وتنقيتها مما قد علق بها من أوشاب الخرافة في فترات الضعف السياسي والتدهور الفكري.
إن الروح السائدة في البلاد المتحررة حديثا من قبضة المستعمر، يمكن تلخيصها في هذا السؤال: كيف نرد لأنفسنا كرامتها، بإحياء ثقافتنا التقليدية والرفع من شأنها، مع إقامة البرهان العملي - في الوقت نفسه - على كفاءتنا في ميدان التنافس مع من كانت لهم السيادة علينا ظلما وعدوانا؟ فهذه السيادة المعتدية الظالمة كانت ترتكز أولا وقبل كل شيء على ركيزة العلم والصناعة، وإذن لا بد لنا من هذه الركيزة بكل ملحقاتها، لنستطيع الصمود في ميدان التنافس. وها هنا يعود سؤالنا الأول من جديد: هل في ثقافتنا التقليدية التي نريد إحياءها وتقويتها ما يتعارض مع هذه الركيزة التي نحن في أشد الحاجة إليها - ركيزة العلم والصناعة؟
Page inconnue