Derrière les jumelles : Images satiriques de notre vie sociale
من وراء المنظار: صور انتقادية فكهة من حياتنا الاجتماعية
Genres
انعطفت وصديقاي من شارع عماد الدين إلى شارع فؤاد، فإذا بميكروفون عظيم يملأ الشارع كله بكلام الله في صوت كان على شدة علوه من أحلى الأصوات وأبعثها للطرب.
وعجبت وعجب صاحباي وقلنا: ما هذا؟ إنه والله للقرآن! ونظرنا فإذا متجر جديد جميل، تزين الأنوار المتوهجة المتلألئة واجهته وجوانبه، ومنه ينبعث هذا الصوت القوي الساحر بقول الله - سبحانه:
والشمس وضحاها * والقمر إذا تلاها .
وأسرعنا الخطى صوب النور الذي نرى، والنور الذي استشعرته نفوسنا فيما يشرق في السمع من كلام الله، ووجدنا أنفسنا وسط أصناف من خلق الله يذهب البصر فيهم هنا وهناك، وهم حائمون على هذا النور كالفراش يقعون عليه من كل صوب، وأرواحهم مستشرفة إلى هذا الصوت الجميل القوي يسترسل في تنغيمه وتطريبه، وآذانهم مرهفة وقلوبهم خاشعة وكأن عليهم الطير مما سكنوا؛ وما إن يقف صاحب هذا اللحن العلوي عند قول الله:
ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها
حتى تنبعث بالتصفيق أكفهم، وتنطلق بعبارات الاستحسان حناجرهم.
وأجلت منظاري في الجمع المحتشد فإذا به خلق من كل طبقة ومن كل نمط، ففيه المقبعون والمقبعات، والمعممون والمطربشون، وفيه العلية يقفون إلى جوار سياراتهم الفخمة، وفيه المتواضعون مثلي من عباد الله ممن يدبون على أقدامهم، وفيه عدد من العمال والخدم والحوذية، وسائقي سيارات الأجرة وغيرهم، بيض وسود من كل سن وفي كل زي، وفيه المسلمون وفيه لا ريب النصارى واليهود، والجميع ينصتون إلى الشيخ مصطفى إسماعيل يتلو آيات الله، وينظرون إلى اسم الطرابيشي المصري تلألئه الأنوار القوية على واجهة متجره الجميل الجديد ...
وامتلأ طوار الشارع حتى لم يبق فيه موضع، وغص الشارع نفسه بالسيارات والعربات من كل نوع، حتى الترام نفسه يبطئ سائقوه إذ ينصتون ويقفون على مقربة من المتجر، فلا يحبون أن ينطلقوا فيبتعدوا عن هذا الصوت الندي الحلو الذي سحر الناس جميعا، والذي يرسله الميكروفون قويا صافيا لا حشرجة فيه ولا تسلخ ولا كدرة، فيملأ به الشارع. «الله أكبر ... بسم الله الرحمن الرحيم
والشمس وضحاها * والقمر إذا تلاها * والنهار إذا جلاها * والليل إذا يغشاها * والسماء وما بناها * والأرض وما طحاها * ونفس وما سواها * فألهمها فجورها وتقواها .»
بهذا التنزيل المجيد كان يصلصل حلق القارئ البارع، في صوت يرتفع إلى عنان السماء ثم يهبط إلى قرار قريب، فتحس فيه تموج الشعاع وتأود الجدول وترسل الكروان وتنغيم البلبل، وتجد نفسك مسحورا بهذا الصوت اللين الحلو، وهذا الإيقاع العبقري الجميل، في إمالة سائغة لأواخر هذه الآيات الكريمة، يهفو لها السمع وتترشفها النفس، وكانت ترتفع مع اللحن نفوس السامعين وتهبط وهم صامتون خاشعون حتى يفرغ ذلك النفس الطويل، نفس القارئ المفتن، فتضج أصوات السامعين بلفظ الجلالة.
Page inconnue