Derrière les jumelles : Images satiriques de notre vie sociale
من وراء المنظار: صور انتقادية فكهة من حياتنا الاجتماعية
Genres
ونظر الرئيس إلي ضاحكا وقال: وأنت ما شكواك؟ فقلت: إني أستكبر أن أشكو ... قال: هل تكتب هذا الذي رأيت وسمعت؟ قلت: لست أصبر إلا بجهد حتى أكتبه.
وقال الوكيل: وما جدوى كتابتك؟ يظهر أنك عبيط آخر ...
لا تؤاخذني ... اكتب ما شئت إنك لا تسمع من في القبور ... أتحسب هذه أمورا مجهولة تكشف عنها بما تكتب فتنبه ذا غفلة؟ كلا إن ذلك كله معلوم، وقد شاع الفساد حتى شمل الدولاب كله فماذا تقول؟ وماذا تريد بكتابتك ... أأنت صاحب معجزة؟ والله لو جاءتك معجزة ما استطعت أن تغير ما نحن فيه ... يا شيخ الله يفتح عليك ... أنت في مصر ... ها ... ها ... ها ... غير الجيل كله وابدأ من جديد!
وتنهد الرئيس وقال: لا أخفي عنكما وأحدكما زميلي والآخر تلميذي، أني كرهت العمل وأني أتمنى لو استطعت أن أفعل فعل ذلك الشاب الذي دفع إلي استقالته ... أتدرون ماذا يقول؟ يقول إنه يريد أن يهاجر إلى الأرجنتين لينسى أنه مصري! ... إني أريد أن أعمل شيئا فلا أستطيع.
لقد فسد الدولاب من فوق فنزل الفساد إلى كل جزء ... هأنذا أسمع الشكايات طول يومي، ثم أرفع الأمر إلى من هم فوقي فلا أظفر بشيء، وأحمل الأوراق المكدسة إلى منزلي، فأسهر الليل في تصريفها وعملي لا يعدو أن يكون في الغالب تنفيذ ما أومر به.
الفارس الجديد
له أريحية الفارس ونزعاته وإن لم يكن له جواده ولا درعه؛ ولا تنس يا قارئي أن الدفاع عن الضعيف وإغاثة اللهيف، ومحاربة الرذيلة، وكف عدوان المعتدين ودفعهم عن الناس، كانت كلها في عصور الفروسية صفات لا يكون الفتى فارسا إذا هو لم يجعلها في مقدمة ما يتحلى به.
وصاحبنا الذي شاءت الظروف أن يكون أول من يستوقف منظاري، وقد وضعته على أنفي بعد أن تركته زمنا حتى كاد يأكله الصدأ، فارس لا يتكلف ولا يقلد، وإنما تجري الفروسية في نفسه مجرى الدم في عروقه، ولو قد سلف به الزمن وعاش في عهد الفروسية ورزق بسطة في جسمه، لكان في الفرسان واحدهم المعلم وكميهم الذي تعنو لرمحه الرماح.
لقيته في بلد كنا غريبين فيه إن جاز أن يكون المصري غريبا في بلد من بلدان مصر، ولست أدري لماذا أحسست لأول وهلة أني وقعت منه على أحد هؤلاء، الذين ينجذب إليهم منظاري حتى ما يريد أن يتحول عنهم.
هو فتى في نحو الثلاثين من عمره، صغير الجرم نحيف الجسم، لا يلبس فوق رأسه شيئا، أو على الأصح لم يكن فوق رأسه غطاء ساعة رأيته، أما ملابسه فهي إنجليزية المظهر والسمت واللون؛ تتألف من سروال واسع رمادي فوقه حلة بظهرها حزام، ولونها مزيج من الأزرق والأخضر، ويتدلى من فوق كتفه اليسرى شريط من الجلد، يمر طرف منه بصدره والآخر بظهره، ويلتقيان تحت ذراعه اليمنى فينتهيان بآلة للتصوير في كيس من الجلد نظيف، فيخيل لمن يراه بعد أن يتبين فروسيته، كأنه يريد أن يصور بتلك الآلة ما يرى من عيوب المجتمع؛ ليجعل منها مادة لدرسه، أو على الأقل كان هذا خيالي.
Page inconnue