Derrière les jumelles : Images satiriques de notre vie sociale
من وراء المنظار: صور انتقادية فكهة من حياتنا الاجتماعية
Genres
وأراد نكد طالعي أن يكون آخر ما يقع منظاري عليه جماعة من أولئك الغلمان في إحدى الطرق ينبشون صندوق القمامة، يبحثون فيه عما يقتاتون به ... وكثيرا ما رأيت مثل هذا المنظر - وا أسفاه ... فرفعت بصري إلى أعلى وقد ضاق بالأرض وما عليها، فوجدت القمر من فرجة بين بيتين عاليين، وأحسست أنه في تلك المدينة غريب مثلي، ولست أدري لماذا فسرت ابتسامته في تلك الساعة بأنها سخرية من حياة المدينة ومفارقاتها؟ ... وأشد ما أمضني أني لم أر شيئا مما كرهت من أحد غير بني قومنا الأعزاء، على كثرة ما بين ظهرانينا من النزلاء!
قطط وكلاب وناس!
منظر كم رأيته وكم تمنيت بعده لو لم تقع عليه عيناي! ومع ذلك فقد لبثت دقائق كثيرة أحملق فيه وأطيل النظر، كأنما وقعت منه على فرجة تبتهج لها النفس!
في شارع كبير من شوارع هذه المدينة العظيمة - القاهرة عين أفريقية وملتقى الحضارتين الشرقية والغربية - وقفت على مقربة من صندوق القمامة، فإذا بي أرى في ناحية قططا ثلاثة، وفي ناحية أخرى كلبين، وعلى قيد خطوة من هذه المخلوقات بنتين وصبيين وعجوزا.
وقفت أنظر ... فيا لشناعة ما رأيت من منظر، ويا لهول ما جاشت به نفسي من المعاني تلقاءه! وإني أعيذك أيها القارئ أن تستكثر علي استشعار الهول فيما رأيت، وأن ترده إلى استغراق في العاطفة يلحق بالضعف، وإلا رميتك أنا بالقسوة، وعندي أن القسوة هنا - على أي حال - إنما هي شر مما تزعم من ضعف.
راحت هذه المخلوقات، الآدمي منها وغير الآدمي، تنبش القمامة فتمد الكلاب والقطط أرجلها الأمامية ويمد الآدميون أكفهم، حتى لتكاد تلتقي تلك الأرجل وهاتيك الأيدي كأن لا فرق بينها في شيء.
وجعلت أنقل البصر من القطط إلى الكلاب، ومن هذه إلى البنتين والغلامين والعجوز، وأول ما برز لي من المعاني هو صورة من تنازع البقاء في هذه الدنيا لاحت بين أفراد كل فريق من جهة، ثم بين كل فريق وفريق من جهة أخرى.
كانت القطط تقوس ظهورها وتنفش شعورها وتخطف العظام إحداها من الأخرى، فإذا أرادت أن تختطف شيئا من الكلبين دارت معركة قصيرة بين الفريقين، فإذا زجر الصبيان الكلبين والقطط في حذر وخوف، جرت القطط فتربصت على خطوتين لتعود بعد لحظة، واستعلن الشر في وجهي الكلبين، فتركهما الزاجرون من الآدميين ومضى كل إلى ما كان فيه من عمل، وكان يفرح هؤلاء التعساء من الآدميين إذا دارت المعركة بين الكلاب والقطط، واستمرت لحظة طويلة، فيكبون إذ ذاك في عجلة ونشاط في التقاط ما تنكشف عنه القمامة من بقايا العظام، ولقيمات الخبز، وقشور الفاكهة، وما إليها قبل أن يعود فيشاركهم في التقاطها أفراد الفريقين الآخرين.
وكان كل من الصبيين والبنتين والعجوز يزحم الآخر، ويسابقه في نبش كومة جديدة من الكناسة، فإذا عثر أحدهم على لقمة كبيرة نوعا لاح في وجهه، مثل ما يلوح في وجه الباحث عن الذهب في أرض الذهب إذا التمع في عينيه عرق من المعدن النفيس، ويقذف الصبي باللقمة في حجره، وقد زادها قيمة عنده أنها خلصت له من قرنائه ومن القطط الثلاثة ومن الكلبين.
ومرت بي أثناء ذلك بعض السيارات الفخمة تحمل أنماطا من سراة القوم، ومن هؤلاء من لاحظت أن عيونهم رأت ما رأت عيناي إلى جوار صندوق القمامة، ولكني لم أتبين في وجه من هاتيك الوجوه الناعمة الراضية أية اختلاجة من أسف أو من رثاء، أجل لم أتبين في هؤلاء السادة «عبيطا» مثلي يرى في ذلك المنظر ما يستوقف بصره، وإذ ذاك ازداد رثائي ضعفين على أولئك التعساء الذين يشاركون الكلاب والقطط في نبش الكناسة، وليس يملك مثلي لهؤلاء إلا العطف والرثاء.
Page inconnue