Derrière les jumelles : Images satiriques de notre vie sociale
من وراء المنظار: صور انتقادية فكهة من حياتنا الاجتماعية
Genres
ووضع الرجل عصاه على ذراعه والساجور في عنق جوي، وانصرف قائلا: «هذا برنامج كل يوم؛ ألست تحب ذلك؟»
ولكم أحببت ذلك وأحببت هذا الشاعر، وأغرمت بخياله الذي حبب إليه الحياة أو هونها على نفسه.
ذات صباح ...
أوشكت أن تنشق على الأفق الشرقي كله الصباح الوردية عن جبين الشمس، وأنا جالس في مصلى على حافة ترعة كانت تفهق بذلك الفيض الحبشي الذي حمله النيل من هضبات وادينا الحبيب؛ وكانت تحجبني عن الطريق العريض على الضفة الأخرى للترعة أغصان الصفصاف المتهدلة، التي تمس الماء فتبدو كأنما تحنو على هذا النضار الغالي، وجلست بحيث أتبين المارة في يسر من خلال الصفصاف الحاني، ولا يكاد يتبينني أحد إلا في مشقة ...
ورحت أرقب طلوع الشمس على الأفق، ولعلي إنما طلبت الفضاء في السماء حيث غطت الفضاء على الأرض عيدان الذرة، وقد استطالت واستغلظت على سوقها وأخرجت سنابلها، وعيدان القطن وقد طالت فروعها وتدلت زهراتها، فلم يبق أمام ناظري على الأرض إلا ذلك الطريق القريب على الضفة الأخرى للترعة، تتقاطر فيه أسراب الصبايا عائدات بجرارهن من الترعة الكبيرة في هذه البكرية الرخية، خفيفات تتماوج قدودهن الممشوقة الناهدة تحت الجرار الثقيلة الطافحة بالفرات العذب الذي يجري به النيل ...
وجاءت فتاتان فآثرتا أن تملآ جرتيهما على مقربة من المصلى، فكنت أراهما من حيث لا ترياني، أما إحداهما فلما لبثت أن عرفتها فهي بهيجة بعينها! بهيجة تلك البنية الريفية التي ما كنت ألقاها وهي بين العاشرة والثانية عشرة إلا استوقفتها وضاحكتها، والتي كنت أحدث نفسي يومئذ بما سوف يكون لها من فتنة وسحر ...
وها هي ذي في الثامنة عشرة أو فوقها قليلا، شمس يضيء جبينها الأبلج كما تضيء شمس الأفق، قد أفرغت فيها الطبيعة الريفية سحرها إفراغا كما يصنع الفنان بدميته، حين يريد أن يبلغ بها منتهى قدرته، وملأت ناظري من خصرها الدقيق وردفها المليء وصدرها الناهد؛ وشمرت عن ساعديها وكشفت عن ساقيها لتنزل على حجر في الماء، فما حسبت ساقيها وذراعيها لولا تحركها، وتثنيها إلا صنعة فنان بالغ في تسوية مرمره ليتحدى به الطبيعة. أما وجهها فما تغني اللغة عنه، فلن يتصور جماله إلا أن يرى ...
أما صاحبتها فسمراء لعوب في وجهها وفي هيكلها وفي حديثها ما نسميه خفة الروح، وهي لا تفتأ تضحك وتداعب رفيقتها ولا تزيد بهيجة على أن تبتسم ابتسامة طفيفة لا تلبث أن تنطفئ ...
وحيرني هذا الهم في وجه بهيجة، فعلى فمها الدقيق وفي عينيها الواسعتين الزرقاوين الطويلتي الهدب، خيال الألم والحزن الدفين وفي خديها شيء من الشحوب، لولا تلك الحمرة الشديدة التي تمتاز بها صفحة هذا الوجه ...
وقالت فاطمة - وهذا اسم صاحبتها كما تبينت - تحدث بهيجة، وهي فوق الحجر يغطي الماء ما فوق خلخالها قليلا: أأدفعك يا بهيجة في الماء فتغرقين وتلتهمك الجنية؟ وقالت بهيجة: ليتني أغرق فلن ينجيني إلا الموت! ألا ليتني أتزوج الموت نفسه!
Page inconnue