Derrière les jumelles : Images satiriques de notre vie sociale
من وراء المنظار: صور انتقادية فكهة من حياتنا الاجتماعية
Genres
ولست أدري أكان «صاحبنا» كما ادعى وكيل نيابة حقا، أم أنه يهوش بذلك على الناس؟
ويأتي بعذ ذلك ثالث المواقف أو ثالثة الأثافي؛ فنحن في سيارة عامة في أحد شوارع القاهرة، ليس فيها إلا من هو ذاهب إلى عمل أو حريص على ميعاد، وكان في المقعد الأمامي شاب كذلك تبدو عليه سيما الهدوء والرزانة، فطلب إلى السائق الوقوف بالسيارة لينزل، فقال السائق: «ما فيش محطة هنا.» فقال الشاب: «محطة إيه؟ إسمع، نزلني.» ولم يسمع السائق ولم يقف، فصكه الشاب على صدره صكة جمع فيها كل تحمسه وأفرغ كل غيظه وهو يقول: «استنى يا حمار.»
ووقف السائق سيارته والتفت نحو الشاب وفي وجهه مثل نظرات المجنون، فقال له الشاب: «إوع تتكلم ... أتدري من أنا؟ أنا وكيل نيابة ... تعرف شغلك بعدين.»
ووقف المحصل بينهما يخشى أن يفضي الأمر إلى شر خطير والسائق يقول: «إفرض أنك حتى رئيس نيابة ... تضرب الناس بدون سبب؟» والركاب يتفرجون وما فيهم إلا من ضاق ذرعا بهذا الصلف وبهذه الوقفة التي لا يدري أحد متى تنتهي؛ وأحسست أنا ثلاثة أمثال ضيقهم، وقد شهدت المنظر ثلاث مرات.
وكان السائق هو القابض هذه المرة، إذ إنه لم يجد متنفسا لغيظه إلا أن يقسم يمينا بالطلاق ألا يدع هذا الأفندي إلا في القسم ولو قطعت رقبته. ولم يبق محل لشفاعة الشافعين، بعد أن نطق السائق بهذه اليمين، ومضيا معا إلى القسم، ومضينا نحن الركاب يبحث كل منا عن وسيلة أخرى يصل بها إلى حيث يريد.
وبعد فأنا أؤكد لك أيها القارئ أني لم أزد شيئا على ما شاهدت، وإلا فإني مستعد أنا الواضع اسمي أدناه لأن أتلقى قرار القبض علي بتهمة أنا والله منها بريء، وهي «إساءة استعمال» قلمي ... أو على الأصح ... منظاري.
متحمس ...!
يتحمس في كل شيء: في رأيه، في إشارته، في نطقه، في عبارته، في جلسته، في حركته، فيما يختار من ألوان مبلسه، في ضحكته، ولا بد أنه قياسا علي كل هذا متحمس كذلك في بكائه، وكم تمنيت - على شدة كراهيتي للبكاء - لو رأيته يبكي لأرى مبلغ حماسته في دمعته!
قارب الثلاثين أو جاوزها قليلا. حديث العهد بشهادة من شهادات إحدى جامعتينا فهو بها معتز مغتبط متحمس في اعتزازه واغتباطه، ولست أجد في ذلك ما يلام عليه فهذا ما يفعله كثيرون غيره ممن يظفرون بالألقاب العلمية الضخمة، ومن منهم لا يحب أن يصبح دكتورا مرموق المكانة عظيم الخطر؟
وصاحبنا الذي اختلس منظاري النظر إليه ساعة، وحملقت فيه عيناي أكثر من مرة من شدة إعجابي به، ولست أقول من فرط تعجبي منه، قد عقد النية فيما علمت من أنبائه على أن يكون دكتورا مهما كلفه ذلك من جهد، ثم ما زال حتى ظفر بهذا اللقب في يسر فما أيسر أن تصنع جامعتنا الدكاترة، وإلا فماذا تكون رسالتها في مصر؟ على أنني لا أذكر أني رأيت فيمن يحملون هذا اللقب العظيم من هو أشد ذهابا بنفسه من صاحبنا هذا، ولا من يصطنع لهجة الأستاذية والضلاعة، ولا من يقطع بالرأي في سرعة ويقين، ولا من يقذف بالأحكام العريضة في سخاء ويسر، كما يفعل هذا الذي أصبح دكتورا منذ قريب، وهذا هو سر إعجابي به، فما أحسب إلا أنه يستطيع أن يستغني بذلك كل الغنى عن جميع الألقاب؛ لأنه سوف يغدو بما يفعل ويتحمس، فيلسوفا.
Page inconnue