De la transmission à la création
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٢) التأليف: تمثل الوافد - تمثل الوافد قبل تنظير الموروث - تمثل الوافد بعد تنظير الموروث
Genres
ويئول ابن سينا آراء أفلاطون وفيثاغورس في التناسخ على أنه رمز وتخييل وتصوير، أي أنها أقوال أدبية، دفاعا عن موقف أرسطو. والتأويل منهج إسلامي لرفع التناقض بين النقل والعقل، بين أفلاطون وأرسطو. كما يستعمل ابن سينا دفاعا عن أفلاطون وبرزجمهر التشكك في الروايات المنقولة عنهما المتعلقة بالتناسخ، وهو أيضا منهج إسلامي في التيقن من صحة الأخبار أولا قبل تفسيرها أو تأويلها. ويختتم ابن سينا بثابت بن قرة بمذهب عجيب، انفصال النفس عن البدن في جسم لطيف. ويعتبر ذلك مجرد رمز أو صورة في حاجة إلى تأويل مثل أفلاطون وفيثاغورس. فالمترجمون فلاسفة أيضا، ويتفقون معهم في إبطال القول بالتناسخ. تلك صورتهم عند الفلاسفة، وليس مجرد نقلة. والأحرى أن تكون هذه أيضا صورة الحكماء عن أنفسهم وليس فقط عن غيرهم.
4
ويشير ابن سينا إلى الحكماء دون تحديد لهويتهم أو حضارتهم؛ مما يدل على أن المهم هو الموضوع لا الشخص، الأفكار المنتشرة في البيئة الإسلامية حتى يتم احتواؤها إن كانت مخالفة، أو الاستشهاد بها إن كانت موافقة. وقد لا تكون هناك شخصيات تاريخية بعينها، بل مجرد أفكار شائعة في البيئة الثقافية يذكرها ابن سينا؛ فالفكرة تخلق قائلها بصرف النظر عن هويته كما هو معروف في الانتحال. ويذكر آراءهم في النفس ولا يرفضها ما داموا لا يقولون بالتناسخ، منها التذاذ النفوس الخيرة ببعضها وألم النفوس الشريرة ببعضها؛ فالطيور على أشكالها تقع. العاقل يعقل ذاته، ويعقل مثل ذاته أضعافا، يعقل مبادئ عقلية هي أسبابه. ومنها اتصال بعض النفوس بعضها بالبعض الآخر على سبيل التأثير فيها خيرا أم شرا؛ نظرا لتعلق النفوس والأمزجة بما يشابهها دون تدخل الأبدان. ومنها الاتصال العقلي الروحي الصرف بلا أبدان؛ وذلك أن القوة الوهمية تفارق المادة بتوسط وبسبب القوة النطقية، فتكون مطلعة على المعاني الموجودة في عالم الحس؛ فالطبيعة لهذه المعارف بدن، والمعارف الجزئية لها صلة بالأبدان، وليست المعاني الكلية. ومنها اعتماد البعض على القول بالتناسخ لتبرير وجود الشياطين والجن؛ فالشريرة تقوم بأفعال الشر وعلى اتصال بالأشرار مثل الشياطين، والخيرة منها تقوم بأفعال الخير وعلى اتصال بالأخيار مثل الجن. ويخصص ابن سينا القول الأخير بقول بعض العلماء بين العموم والخصوص، وهو مصاحبة النفس بعد التجرد لبعض الهيئات الطبيعية بسبب حمل القوة المتوهمة؛ فهي عند الموت شاعرة بالموت، وبعد الموت متخيلة نفسها على صورة الإنسان الذي مات، سعيدة أو شقية، ناقلة ما كان عليه حالها في الدنيا، قياسا للغائب على الشاهد؛ فنشأ عذاب القبر ونعيمه، واعتبرت النشأة الثانية على هيئة النشأة الأولى، وكما هو شائع في تاريخ الأديان منذ قدماء المصريين. فلا عجب أن تتخيل النفس كل ما في كتب الأنبياء من الجنان والحور العين على ما شاهدته في الدنيا، وما أكثر الرموز والألغاز في ذلك. وهنا يتفق الحكماء مع المعتزلة على تأويل الأخرويات على نحو مجازي ، قياسا للغائب على الشاهد.
5
ويظهر الموروث الأصلي من القرآن والحديث في خمس موضوعات إشراقية خالصة.
6
وموضوع النفس موضوع موروث. النفس مذكورة في القرآن وفي الكتب السابقة، وتعرضت لها الأمم السالفة. يتحدث القرآن عن النفس المطمئنة ورجوعها إلى الله راضية مرضية، ولا يتم الرجوع إلا لمن منه الورود. ويرفض ابن سينا تأويل آيات القرآن بحيث تفيد التناسخ؛ فالمعركة مع الموروث أيضا وليست فقط مع الوافد ومع أنصار الوافد في الموروث؛ أي التابعين للغرب اليوناني القديم. كما يستشهد بالقرآن لمعرفة أين الحقيقة والمجاز فيه، وهي نفس الآيات المذكورة عند علماء الكلام في موضوع التنزيه والتشبيه. كما يعطي نماذج من سوء تأويل الفرق الضالة للقرآن، واعتبارها الحيوانات غير الناطقة أمما مثل البشر، وهي كذلك بالقوة وليست بالفعل. المعاد إذن هو المعاد الروحاني، وهو ما أثبتته العقائد. كما يستشهد ابن سينا بالشريعة الإسلامية، وأنها أكمل الشرائع؛ وبالتالي كانت الملة الإسلامية خاتمة الملل بحديث نبوي، أن الرسول إنما بعث ليتمم مكارم الأخلاق. ولا يريد ابن سينا الإطالة في ذلك لأنه خارج موضوع علوم الحكمة طبقا لتصنيف العلوم عند المسلمين. والمعاد للنفس وحدها دون البدن.
7
ويلجأ ابن سينا إلى اللغة العربية لتحديد ماهية المعاد استنادا إلى المعنى الاشتقاقي للفظ. الموضوع موروث، والمنهج موروث، واللغة موروثة. والمعاد اشتقاقا يفيد المكان لا الزمان، من العود، أي للشيء وليس الوقت. العود هو المكان أو الحالة التي كان عليها الشيء. أما عند الصوفية فالمعاد من العود إلى الأصل، والحنين إلى عهد الذر الأول قبل الخلق. وفي اللغة حقيقة ومجاز، ويقع الخلط عندما لا يحدث التمييز بينهما، ويمنع اتفاق فصحاء العرب على المجاز والحقيقة من هذا الخطر. ولم يستعمل الوحي لغة الفلسفة المنزهة المجردة للتعبير عن التوحيد، بل عبر عنه مجازا، ولم يصرح به حقيقة. وإذا اختلف الحكماء في المعاني المجردة، فكيف حال العبرانيين، أهل الوبر من العرب؟ وقد امتنع الوحي من استعمال لغة الفلسفة المنزهة المجردة للتعبير عن التوحيد لعدم استطاعة العرب العاربة أو العبرانيين والأجلاف فهمه، وإلا عاندوا واعتبروا الإيمان عدما. هذا هو سبب التشبيه في الوحي.
8
Page inconnue