De la transmission à la création
من النقل إلى الإبداع (المجلد الثاني التحول): (٢) التأليف: تمثل الوافد - تمثل الوافد قبل تنظير الموروث - تمثل الوافد بعد تنظير الموروث
Genres
وبعد أن يتحول أرسطو من الشخص إلى النموذج، ومن الواقع إلى المثال، يصبح الحكيم الأول، أو الحكيم، أو هذا الرجل، أو الرجل الفاضل. وقد يعني الأول المتقدم في الزمان، مثل الأولية بمعنى المتقدمين في مقابل المتأخرين، وقد يعني الأول في الرتبة والشرف في مقابل الثاني أو الأخير. ويستعمل الحكيم الأول كمثال أو استشهاد أو قول لإثبات شيء يعرفه مسكويه من قبل، مجرد تشبيه أو استعارة أو اقتباس لنقد الفصل بين القول والعمل، بين الرغبة والجهد، بين النية والفعل؛ فالدعوة إلى محبة الأفعال الجميلة لها ثمنها في مجاهدة الترف والبطالة. كما يشار إلى الحكيم في تقسيم أنواع السعادة إلى خمسة أقسام، من اجتمعت له كان هو السعيد الكامل على مذهب هذا الرجل الفاضل، وهي مرتبة من الأدنى إلى الأعلى؛ الأول: صحة البدن، ولطف الحواس، واعتدال المزاج. والثاني: الثروة والأعوان. والثالث: تحسن أحدوثة الإنسان في الناس، ونشر ذكره بين أهل الفضائل، فيكون محمودا مثنيا عليه. والرابع: التنجيم في الأمور عن روية وعزم. والخامس: جودة الرأي، وصحة الفكر، وسلامة الاعتقاد. وأحيانا يستعمل هذا الرجل كمرحلة تاريخية في الفلسفة اليونانية، ما قبله عند الفلاسفة السابقين عليه مثل فيثاغورس وأبقراط وأفلاطون وغيرهم، وما بعده ابتداء منه؛ فأرسطو هو الذي يقسم الفلسفة اليونانية إلى مرحلتين، التاريخ والبناء، الاجتهادات والحقيقة؛ فقد اختلف الفلاسفة قبله في السعادة. ويجمع مسكويه بين الرأيين، بين التطور والبناء، بين اجتهادات الفلاسفة في الحقيقة وبين انكشافها. كما انتهى تطور الوحي من اليهودية إلى المسيحية واكتمل في الإسلام، يجمع أرسطو بين السعادتين في الدنيا والآخرة، ويعطي كلا من البدن والنفس حقهما كما يفعل الإسلام. يراها الفقير في الثروة واليسار، والمريض في الصحة والسلامة، والذليل في الجاه والسلطان، والخليع في الشهوات، والعاشق في المعشوق، والفاضل في المعروف. والفيلسوف يضع كلا منها في مرتبتها عند الحاجة إليها، وهي كلها عند أرسطو وسائل لسعادة أخرى هي السعادة الحقة.
13
ويستعمل مسكويه نفس تشبيه أرسطو كأداة حسية في التعبير؛ فالخطاف الواحد إذا ظهر لا يدل على طبيعة الربيع ولا يوم معتدل واحد يبشر به كذلك. وإذا خص مدير المدينة طائفة بالنظر دون طائفة فإنه لا يستحق اسم الرياسة، وجذب شيء من كل الجهات ينشق وينقطع، وتفسد المحبة المغشوشة كما تفسد الدنيا والدرهم المغشوشان. وقد يستعمل مسكويه حكم أرسطو، وهو المولع بالحكم والأمثال والمواعظ، للاستشهاد بها على ما وصل إليه هو نفسه، مثل: من وجد السعادة الحقيقة فلا ينشغل بالسعادات الظاهرية، فالقديم تأكيد للجديد، والنقل تأييد للإبداع. ولما كان الإسكندر المقدوني تلميذا لأرسطو فإن مسكويه يستعمل نادرة له في موضوع أسباب الغضب والسيطرة عليه برفض تأديب أحد أصحابه لنقده له وانتقاصه منه وعيبه عليه؛ لأنه أبسط لسانا، وأعذر عند الناس، وعفوه عن بعض أعدائه الخارجين عليه.
14
وما زالت بعض الألفاظ اليونانية المعربة، مثل الناموس،
15
ويعني في لغة أرسطو التدبير والسياسة، بالرغم من مدحه لنقل أبي عثمان الدمشقي لكتاب فضائل النفس لأرسطو إلى العربية، وينتقل عنه لأنه فصيح في اللغتين اليونانية والعربية، دقيق في المصطلحات، حريص في نقله الألفاظ والمعاني من لغة إلى أخرى.
16
وعند النقل من أرسطو يعلن مسكويه عن ذلك نظرا للوعي الشديد بين النقل والإبداع. كما ترك مسكويه المثل اليوناني الذي ذكره أرسطو، وهو نموذج الآلام مثل أيوب، دون أن يستبدل به مثلا عربيا كما فعل ابن رشد في تلخيص الخطابة.
17
Page inconnue