De la transmission à la création
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (١) التدوين: التاريخ – القراءة – الانتحال
Genres
19
وواضح أن الشهرستاني من المدرسة الفيثاغورية، كما أن الشهرزوري من المدرسة الإشراقية نظرا لتصدر مدرسة الفيثاغوريين التي ينتسب إليها كبار الفلاسفة سقراط وأفلاطون وأرسطو في مقابل المدرسة الطبيعية. فالعقل هو المقياس يشترك بين اليونان المسلمين، بين موضوع التاريخ وذات المؤرخ.
ويبدأ الشهرستاني قبل الحديث عن الفلاسفة بتعريف الفلسفة اشتقاقا من اللفظ اليوناني «محبة الحكماء». والحكمة قولية وفعلية، وكأنها سنة؛ أي نظرية وعملية؛ أي عقيدة وشريعة. النظر طريق العمل. بعض الحكماء قدموا النظر على العمل، والبعض الآخر قدم العمل على النظر، وكلاهما الحق والخير. ويمكن للعقل الكامل الوصول للقسمين معا. أما الأنبياء فأعطوا الأولوية للعمل ولقسم من النظر، والحكماء أعطوا الأولوية للنظر وقسم من العمل. غاية الحكيم أن يتجلى لعقله نظام الكون حتى يتشبه بالإله عن طريق العقل. وغاية النبي أن يتجلى له نظام الكون فيقضي المصالح العامة عن طريق الترغيب والترهيب. والتشكيل والتخييل. فالفلاسفة يقبلون الأنبياء. ومن استمد علمه من مشكاة النبوة فإنه يقدرهم أعظم تقدير إلى حد التعظيم.
وقد اختلف الحكماء في الحكمة النظرية. كما خالف الأواخر الأوائل، والمتأخرون المتقدمين في عديد من المسائل. كانت مسائل الأوائل محصورة في الطبيعيات والإلهيات، في الباري والعالم، ثم زادوا الرياضيات. وبالتالي انقسم العلم إلى ثلاثة أقسام: علم ما وهو العلم الإلهي الذي يطلب ماهيات الأشياء، وعلم كيف وهو العلم الطبيعي الذي يطلب كيفيات الأشياء، وعلم كم الذي يطلب فيه كم الأشياء، وهو العلم الرياضي، سواء كان الكم مجردا (الحساب) أو مخالطا (الهندسة). ثم أضاف أرسطو المنطق وسماه تعليمات جرده من كلام القدماء؛ إذ لم تخل الحكمة منذ نشأتها من قوانين المنطق، وجعلها آلة العلوم. فأرسطوطاليس مبدعا واضعا للمنطق، بل هو تجريد وتنظيم وتقنين لأقوال الحكماء السابقين. فأصبحت الحكمة أربعة: العلم الإلهي وموضوعه الوجود المطلق، والعلم الطبيعي وموضوعه الجسم، والعلم الرياضي وموضوعه الأبعاد والمقادير، والعلم المنطقي وموضوعه المعاني الذهنية.
20
ولا يكتفي الشهرستاني بالعرض التاريخي السردي أو التأويلي، الموضوعي أو الذاتي، الخارجي أو الداخلي، بل يتجاوزه إلى النقد، سواء كان نقد الوافد أو نقد الموروث؛ فقد أغفل مفكرو المتأخرين من فلاسفة الإسلام ذكر مقالات اليونان كمؤرخين إلا القليل من النوادر، وكأن وظيفة فلاسفة الإسلام مجرد التأريخ الموضوعي السردي كما يفعل الشهرستاني. وما سر عظمة ابن سينا إلا أنه صمت عن مصادره وأعطى فلسفة عقلية خالصة جعلها الشهرستاني نموذجا لفلاسفة المسلمين دون غيرها. بل إن بعض نقلهم كان تزييفا، كما هو معروف في قضية النسبة الخاطئة للنصوص لغير مؤلفيها. ويصرح الشهرستاني بأنه تجاوز الفلاسفة وتحقق من صدق النقل وتعقبه بالنقد تاركا الاختيار للقارئ في مقارنة القدماء بالمحدثين، الأوائل بالأواخر.
21
ويعتمد الشهرستاني على تصحيح تاريخ الفلسفة اليونانية على سابقيه مثل فرفوريوس وهو على مذهب أرسطو، من روى عن أفلاطون أنه يقول بحدوث العالم وأن له بداية في الزمان.
22
ويرد الشهرستاني على أنكسيمانس في قوله إن الباري أبدع الأشياء ولا يعلمها إنكارا للعلم الإلهي «وهذا من القول المستبشع.» فهناك صواب وخطأ في العقائد، فالقول بأن الباري لا يعلم شيئا محال شنيع أو أنه يعلم بعض الصور دون البعض نقص لا يليق بالكمال. والقول بأنه يعلم جميع الصور والمعلومات «وهذا هو الرأي الصحيح»،
Page inconnue