Du transfert à la créativité (Volume 1 Le transfert): (3) L'explication: L'interprétation - Le résumé - Les compendiums
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٣) الشرح: التفسير – التلخيص – الجوامع
Genres
إهداء
الفصل الأول: التفسير
أولا: الشرح: التفسير والتلخيص والجوامع
ثانيا: تفسير وشرح يحيى بن عدي والفارابي
ثالثا: تفسير كتاب إيساغوجي لفرفوريوس (أبو الفرج بن الطيب)
رابعا: شروح ابن باجه
خامسا: شرح البرهان (ابن رشد)
سادسا: تفسير ما بعد الطبيعة (ابن رشد)
سابعا: شرح النفس، والأرجوزة في الطب لابن سينا (ابن رشد)
ثامنا: تفسير ابن البيطار وشرح ابن النفيس
Page inconnue
الفصل الثاني: التلخيص
أولا: الشرح والتلخيص1
ثانيا: تلخيص المنطق (ابن رشد)
ثالثا: تلخيص الطبيعيات (ابن رشد)
رابعا: تلخيص العلم المدني (ابن رشد)
خامسا: مختصر المستصفى (الضروري في أصول الفقه) (ابن رشد)
الفصل الثالث: الجوامع
أولا: جوامع شعر للفارابي
ثانيا: جوامع المنطق (ابن رشد)
ثالثا: جوامع الطبيعيات (ابن رشد)
Page inconnue
رابعا: جوامع ما بعد الطبيعة (ابن رشد)
إهداء
الفصل الأول: التفسير
أولا: الشرح: التفسير والتلخيص والجوامع
ثانيا: تفسير وشرح يحيى بن عدي والفارابي
ثالثا: تفسير كتاب إيساغوجي لفرفوريوس (أبو الفرج بن الطيب)
رابعا: شروح ابن باجه
خامسا: شرح البرهان (ابن رشد)
سادسا: تفسير ما بعد الطبيعة (ابن رشد)
سابعا: شرح النفس، والأرجوزة في الطب لابن سينا (ابن رشد)
Page inconnue
ثامنا: تفسير ابن البيطار وشرح ابن النفيس
الفصل الثاني: التلخيص
أولا: الشرح والتلخيص1
ثانيا: تلخيص المنطق (ابن رشد)
ثالثا: تلخيص الطبيعيات (ابن رشد)
رابعا: تلخيص العلم المدني (ابن رشد)
خامسا: مختصر المستصفى (الضروري في أصول الفقه) (ابن رشد)
الفصل الثالث: الجوامع
أولا: جوامع شعر للفارابي
ثانيا: جوامع المنطق (ابن رشد)
Page inconnue
ثالثا: جوامع الطبيعيات (ابن رشد)
رابعا: جوامع ما بعد الطبيعة (ابن رشد)
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (3) الشرح
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (3) الشرح
التفسير - التلخيص - الجوامع
تأليف
حسن حنفي
إهداء
لى حكماء الأمة من جيلنا.
قضاء على التغريب في عصرنا.
Page inconnue
حسن حنفي
الفصل الأول
التفسير
أولا: الشرح: التفسير والتلخيص والجوامع
(1) الأنواع الأدبية الثلاثة
بالرغم أنه يمكن استعمال لفظي «الشرح» والتفسير على التبادل فقد استعمل الحكماء نفس المعنى تقريبا. فضل الفارابي لفظ «شرح» في «شرح العبارة»، وابن سينا في الجزء المتبقي من «شرح البرهان » بالرغم من صمت ابن سينا عن مصادره والانتقال مباشرة إلى العرض والتأليف وربما الإبداع، وكذلك فضل ابن باجه نفس اللفظ في «شرح السماع الطبيعي».
وفضل ابن رشد نفس اللفظ في «شرح البرهان» بالرغم من تغييره إلى لفظ تفسير في «تفسير بعد الطبيعة». وللفارابي تفسير كتاب المدخالحال في الأسلوبيةل. ويمكن المقارنة بين البداية عند الفارابي والنهاية عند ابن رشد لمعرفة الفرق بينهما بعد حوالي مائتي عام. هل هناك عملية حضارية واحدة بالرغم من اختلاف العصر من بداية الوافد للتعرف والإعلان إلى نهايته للتصحيح والختام؟
وتبدو أحيانا الأمثلة واحدة عند الحكيمين. فهل اطلع ابن رشد على شرح العبارة للفارابي أم هي عمليات حضارية واحدة لها استقلالها الموضوعي وليست مجرد توارد خواطر؟ هل بدأت علوم الحكمة بالتلخيص والتأليف في الوافد قبل العودة إلى الشرح والتلخيص من جديد عند ابن رشد بالمعنى العام الذي يضم الشرح بالمعنى الخاص أو التفسير والتلخيص والجامع؟ يعني الشرح هنا التأويل والتفسير وليس مجرد قول شارح.
1
وقد تم اختيار لفظ «الشرح» عنوانا للباب كله، ولفظ التفسير عنوانا للفصل الأول نظرا لأهمية «تفسير ما بعد الطبيعة» لابن رشد مع أنه كان من الممكن العكس واستعمال لفظ «التفسير» للباب كله الذي يشمل أيضا التلخيص والجوامع، واستعمال لفظ «الشرح» للفصل الأول. ويبدو أن هذه المصطلحات ليست كلها من وضع الحكماء بل من وضع النساخ والوراقين، ولا تدل على نوع أدبي جامع مانع. تتداخل فيما بينها وتتشابك. وتهدف جميعها إلى نفس الغرض، تمثل الوافد واحتواءه قبل إعادة عرضه والإبداع فيه وتجاوزه، ولكن لفظ «الشرح» هو الأكثر شيوعا. والتفسير لفظ مستمد من العلوم النقلية، علم التفسير، مما يدل على اعتماد صياغات الأنواع الأدبية في علوم الحكمة على الموروث قدر اعتمادها على الوافد. وقد استمر لفظ «الشرح» في التراث القديم شرحا للموروث بعد أن توقف الوافد حتى لقد أصبح الشرح عنوانا لعصر بأكمله، عصر الشروح والمصطلحات، العصر المملوكي حتى قبيل الإصلاح الديني الحديث أو بلغة العصر فجر النهضة العربية. وأصبحت هذه الأنواع الأدبية الثلاثة هي معيار تقسيم الشروح حتى قبل ابن رشد.
Page inconnue
بدأ التطور التاريخي لعلوم الحكمة بعد النقل بالتأليف مواكبا الكندي. ثم ظهر العرض الصريح الجزئي والكلي أو العرض الشعبي عند إخوان الصفا والأدبي عند التوحيدي أو العرض النسقي عند ابن سينا. ثم يظهر الشرح والتلخيص والجوامع مؤخرا عند ابن رشد ويجب التأليف. فشروح ابن رشد وتلخيصاته وجوامعه أكبر بكثير من مؤلفاته التي لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة. فالتاريخ يسير في خط معاكس للبنية؛ إذ تتكون البنية من النقل ثم الشرح ثم التلخيص ثم التأليف والعرض بأنواعه. فالغريب أن يبدأ الشرح في مرحلة متقدمة عند ابن رشد وكأنه في نهاية الفترة الأولى من تاريخ الحضارة الإسلامية وليس في بدايتها. بدأ بعد التأليف من أجل حسن الاستيعاب وقضاء على الازدواجية الثقافية. كانت الشروح المتقدمة للتعريف بالوافد (الكندي والفارابي)، والشروح المتأخرة للنقد إما للشراح السابقين يونان ومسلمين أو لنقد الموروث المتكلس والمتحد مع السلطة السياسية. في ظاهرها شرح للوافد وفي باطنها نقد للموروث الديني والسياسي.
وابن رشد هو الوحيد من بين الحكماء الذين لهم في الأنواع الأولية الثلاثة الشرح والتلخيص والجوامع أي الشرح الأكبر والأوسط والأصغر في أقسام الحكمة النظرية المنطق والطبيعيات والإلهيات. ويلاحظ على أعمال ابن رشد الآتي:
2 (1)
المنطق موزع على الأنواع الأدبية الثلاثة، وأن التلخيص أكملها وأن تلخيص إيساغوجي ما زال بالعبرية واللاتينية والإنجليزية، وأن الجوامع تشمل منطق الظن باستثناء السفسطة، وأن شرح البرهان جزء وليس كله، وأن الغالب على المقالات منطق اليقين. (2)
الطبيعيات موزعة على الأنواع الثلاثة أيضا، أكبرها الجوامع ثم الشروح ثم التلاخيص، وأن تلخيص الآثار العلوية ما زال بالعبرية. والسماع الطبيعي والسماء والعالم والنفس غير موجودة فلا توجد نماذج من شروح الطبيعيات، والمقالات الطبيعية تضم مقالين من السماع الطبيعي بالإضافة إلى اتصال العقل والإنسان بين الطبيعة وما بعد الطبيعة، والطبيعيات تنقصها الشروح المفقودة. (3)
الإلهيات بها جوامع وشروح وليس لها تلخيص أو مقالات. هناك على الأقل نوع كامل من كل حكمة، تلخيص المنطق، جوامع الإلهيات، وشروح ما بعد الطبيعة. ولا يوجد كتاب له الأنواع الأدبية الثلاثة باستثناء السماء والعالم إلا أن الشرح مفقود.
3
ومجموع الأعمال كلها خمس وأربعون عملا.
وابن رشد هو الشارح الأعظم ليس كلقب لاتيني بل كلقب إسلامي لأن الكندي والفارابي وحكماء الإسلام لم يشرحوا كل شيء. وإخوان الصفا جمعوا الوافد والموروث دون المزج بينهما في صياغة واحدة، وتمثل ابن سينا بسرعة بعد أن جمع ونظر وصاغ وتحول من النقل إلى الإبداع. وألقاب ابن رشد كثيرة: الفقيه، الأجل، العالم، المحصل، الكافي، فلقب الشارح أحد الألقاب؛ لأنه قام بالشرح كما قام بالقضاء فهو القاضي، وبالدفاع عن الفلسفة فهو الحكيم، وبنقد علم الكلام الأشعري فهو المتكلم، وكتابه في الطب فهو الطبيب. لا تعني الشارح الأعظم أنه تابع لأرسطو وأن كل رسالته في التاريخ هو أنه شارح لأرسطو خاصة في تصور شائع أن الشرح هو الفرع والمشروح هو الأصل.
ويمكن عمل جدول آخر للشروح والتلاخيص والجوامع ابتداء من الكتب على النحو الآتي:
Page inconnue
4
ويلاحظ على هذا الجدول الآتي: (1)
أن المنطق أكمل العلوم؛ لأنه يتوزع على الأنواع الثلاثة. (2)
أن الطبيعيات تنقصها الشروح كما أن الإلهيات تنقصها التلاخيص. (3)
هناك نوع كامل من كل حكمة، تلخيص المنطق، جوامع الطبيعيات، شروح ما بعد الطبيعة. (4)
لكل كتاب نوع واحد على الأقل، وتلخيص وجامع. (5)
بعض الكتب لها نوعان؛ شرح وتلخيص مثل البرهان، وتلخيص وجامع مثل الجدل، والخطابة، والشعر، والسماء والعالم، وشرح وجوامع مثل ما بعد الطبيعة. (6)
لا يوجد كتاب واحد لهذه الأنواع الأدبية الثلاثة باستثناء السماء والعالم بعدما تم العثور على النص العربي للتلخيص. التلخيص للمقولات والعبارة والقياس والسفسطة. والجامع للسماع الطبيعي والكون والفساد والآثار العلوية والنفس والحس والمحسوس.
والانتقال طبيعي من الترجمة والتعليق إلى الشرح والتلخيص قبل التحول إلى العرض والتأليف. فالحضارة تتحول طبيعيا من النقل إلى الإبداع. والتمثل والاحتواء بديلان منهجيان عن التأثر والاحتذاء. العملية الأولى هضم للوافد بينما الثانية تقليد له. ولا يمكن إدراك ذلك إلا بالتجربة الحية والعيش مع الوافد الغربي الجديد كما عاش القدماء، مترجمين وشراحا، مع الوافد اليوناني القديم كخطوة نحو العرض والتأليف والإبداع .
وإذا كان لفظ الشرح له جمع ومفرد وكان لفظ الجوامع له جمع دون مفرد إلا تكلفا «جامع» فإن التلخيص لفظ مفرد وليس له جمع إلا تكلفا «تلاخيص» وليس «ملخصات». التلخيص لفظ واحد لا بديل عنه.
Page inconnue
هل كان ابن رشد على وعي بهذه الأنواع الثلاثة للشرح، وعي علمي مقصود عن منطق حضاري دقيق. أم أنها أتت وفق الشرح وتبعا لمقتضياته؟ ونظرا لوجود أنماط سابقة للشرح في علوم التفسير وفي علم أصول الفقه وفي الشروح السابقة والتعليقات على الترجمة، ربما كان عند ابن رشد وعي دقيق مسبق بهذه الأنواع الثلاثة.
5
الشروح والتلاخيص والجوامع نموذج للحوار بين الحضارات مع اعتزاز بحضارة الذات واحترام كامل لحضارة الآخر. تدل على فكر إنساني متفتح بحثا عن الحقيقة المشتركة التي يجاهد الجميع في معرفتها. تحيي التراث القديم، وتكمل جهود السابقين، وتواصل التراكم الحضاري. الشرح ليس مجرد تفسير ألفاظ بألفاظ، وتوضيح عبارات بعبارات أو ضم فقرات إلى فقرات بل هو موقف حضاري متكامل يستأنف عمل الترجمة. فالترجمة شرح صغير بدايات الشرح الكبير ومقدمة له.
كما تكشف عن قدرة على إيجاد المصطلحات الجديدة وتجاوز الترجمات الحرفية بل والمعنوية، وعن قدرة ثانية على الفهم والاستيعاب للوافد، وعن قدرة ثالثة لنقل النص اليوناني على البيئة الجديدة وإيجاد مناطق التعشيق بين الوافد والموروث، وقدرة رابعة على تطوير الموضوع كله استعدادا لمرحلة التأليف والإبداع. وإذا كانت هذه الأنواع الثلاثة ليست مجرد تصنيف كمي من حيث تفاوتها في الحجم بل هي تصنيف كيفي من حيث دلالتها على عمليات الإبداع الحضاري، فالسؤال: هل لها أي مصادر عند علماء المسلمين أم أنها أشكال نمطية فرضتها عمليات الإبداع الحضاري؟ ربما الشرح أقرب إلى تخريج المناط عند الأصوليين مجرد إبراز العلة من الأصل. والتلخيص أقرب إلى تنقيح المناط أي بلورة العلة وتوضيحها من الأصل. والجوامع أقرب إلى تحقيق المناط أي إيجاد العلة في الفرع من أجل تعدية الحكم. فهناك بنية أصولية وراء هذه الأنواع الأدبية الثلاثة صريحة أو ضمنية خاصة وأن ابن رشد هو الحكيم القاضي ، الفيلسوف الأصولي .
والشرح أكبر من حيث الكم لأنه تقطيع للنص، ومحاولة مضغه قطعة قطعة حتى يسهل ابتلاعه قبل أن يتمثله التلخيص وتخرج الجوامع فضالاته ويستبقي للتأليف عصارته، والشرح الأوسط أقل كما؛ لأنه خلص النص المترجم من شوائبه وأصبح أكثر تركيزا. والجوامع أقل كما؛ لأنها تتعامل مع القلب وليس الأطراف. الشرح أقرب إلى الطول؛ لأنه يتعامل مع الترجمة كلها من ألفها إلى يائها على الاتساع. والتلخيص أقرب إلى العرض؛ لأنه يتعامل مع الشرح الذي يتضمن قلب الترجمة والجوامع أقرب إلى الارتفاع نحو العمق؛ لأنها تتجه نحو الموضوع والقصد، وتستخرج اللب من القشور، وهو أكثر دلالة على الوافد من الجوامع والتلاخيص لأنه ما زال يتعامل مع الخارج لإحضاره إلى الداخل. يبدأ بالترجمة قبل أن يدخلها في عمليات التمثل الإخراج من أجل التأليف والإبداع. التلخيص أكثر دلالة على تعشيق الوافد في الموروث لأنه يدخل الخارج في الداخل، ويفسح أوسع مجال في الداخل لاستقبال الخارج. والجوامع أكثر دلالة على الإبداع الذاتي المستقل عن الوافد والموروث، الوليد الجديد بعد أن تم اللقاح. الشرح أقرب إلى المعارك الخارجية مع النص المترجم وشراحه، والتلخيص أقرب إلى المعارك الداخلية، كيفية التعشيق والاستيعاب وصب مضمون الوافد في قالب الموروث، والجوامع هو الكوب المملوء والمقدم للشاربين.
الشرح مملوء بأسماء الوافد أكثر من الموروث؛ لأنه ما زال يتعامل مع الخارج أكثر مما يتعامل مع الداخل. وفي التلخيص أسماء الموروث أكثر من أسماء الوافد لأنه يبحث عن أماكن التعشيق. والجوامع لا هذا ولا ذاك، لا بذور ولا تربة، بل زرع جديد في التأليف، وحصاد جديد في الإبداع.
ويصعب التمييز في الواقع بين هذه الأنواع الثلاثة خاصة وأنه لا توجد أمثلة واضحة من كل نوع. وقد يكون السبب في ذلك أنها متداخلة المهام، في كل منها تعميم وتخصيص، تحليل وتركيب، فك وإدغام، حذف وإضافة. ما يفعله الشرح مع الترجمة يفعله التلخيص مع الشرح وتفعله الجوامع مع التلخيص. (1) التاريخ والبنية
والخلاف ما زال قائما حول الترتيب الزماني للأنواع الثلاثة أيهما كان الأول وأيهما كان الأخير، والأوسط في كلتا الحالتين واحد. ربما كان الشرح الأكبر مثل «تفسير ما بعد الطبيعة» في الأول والتلخيص كان في الآخر إذ يتضمن الشرح الأكبر التفصيل والتفصيص والدراسة وعمل «الفيشات» بلغة العصر حتى يمكن فهم النص كما وكيفا. في حين يتطلب التلخيص وعيا بالكم دون الكيف، ومعرفة بالمضمون دون العبارة مما يتطلب تركيزا وجهدا وعمقا ونضجا، وهو ما لا يتأتى للإنسان إلا في أواخر العمر عندما يتخلى عن المادة العلمية ويصبح هو بديلا عنها. ولا يتحدث عنها إلا في البداية كفكرة عامة وذكريات ماضية. فهل كان لابن رشد مشاريع أخرى للشرح بعد هذه الأنواع الأدبية الثلاثة؟
6
لا يكفي أن تكون له الجوامع في البداية والشروح في النهاية لأن اقتناص الأشياء لا يكون إلا في النهاية بعد تحليل الألفاظ وإدراك المعاني.
Page inconnue
7
الشرح قول من المتعين إلى اللامتعين، من الخاص إلى العام، من الحالة اليونانية إلى الحالة الإسلامية، في حين أن التلخيص تحول من اللامتعين إلى المتعين، من العام إلى الخاص، من اللغة والمصطلح والألفاظ إلى المعاني والتصورات. أما الجوامع فهي تحول من الخاص في الذهن إلى الأخص في الواقع، إلى الموضوع ذاته قبل أن يتحول إلى تصور وحكم، حدود وقضايا. وهناك نص غريب وفريد في تفسير ما بعد الطبيعة يوحي بالترتيب المضاد، الجوامع في الشباب، والتلاخيص في منتصف العمر، والشروح في النهاية. فالتفسير كتب في الشيخوخة، مع الاهتمام بعلم الفلك ولكنها رسالة أجيال متعاقبة. وهي نفس روح ابن سينا في آخر كتاب «الشعر» من الشفاء. ويكفي إدراك ذلك بالعقل أيضا إذا كان هذا الترتيب له ما يؤيده بالنصوص. ففي مرحلة الشباب التركيز على الشيء ذاته باختصار وكأن الجوامع أشبه بالمقالات العامة. ثم تأتي التلاخيص في مرحلة الشباب. ثم عندما يريد الحكيم أن يترك عملا تكوينيا كبيرا فإن ذلك لا يتم إلا في الشيخوخة.
8
ومن بعض فقرات ابن رشد في نهاية تلخيصاته تبدو الجوامع في البداية والتلخيصات في الوسط والشرح في النهاية أي البداية كانت رؤية الموضوعات، والوسط تلخيص المعاني، والنهاية شرح الألفاظ كما يصرح بذلك في تلخيص القياس، ويصرح بنفس الشيء في نهاية السفسطة، أنه قام بالتلخيص حسب ما تأدى إليه فهمه ووقته وأنه سيعيد الكرة إن أفسح الله في العمر ويكرر نفس الشيء في آخر «تلخيص الخطابة».
9
والسؤال: لماذا الشرح والتلخيص بالمفرد والجوامع بالجمع؟ ربما لأن الجوامع تعبر عن موضوع واحد، رؤية واحدة، مذهب واحد من أجل التأكيد على الوحدة العضوية للنص المشروح. مع أن الشرح أحيانا يكون جمعا مثل شروح ابن باجه على السماع الطبيعي، وربما وجد النساخ تسمية الجوامع بالمفرد لا تعني شيئا مثل جامع الجدل أو جدل الجامع في حين أن المفرد في حالة الشرح والتلخيص أدل مثل شرح البرهان، تلخيص المقولات.
والسؤال الآن: هل عرف ابن رشد ترجمات عربية أخرى في المشرق أو في المغرب استعملها اليهود والنصارى؟ هل كان لفلاسفة الأندلس في المغرب مصادرهم الخاصة المستقلة عن الترجمات التي تمت في المشرق؟ هل كتب ابن رشد كل نوع وأمامه النوع السابق؟ هل كتب التلخيص وأمامه الشرح للمقارنة وعدم التكرار، وكتب الجوامع وأمامه الشرح والتلخيص أم أنه كان في كل مرة يكتب يبدأ بداية جديدة، والبداية الجديدة من سمات التفلسف.
10
ربما حضرت الأنواع الأخرى في الذاكرة في حضارة بدأت بتراث شفاهي قبل التدوين. والحقيقة أن هذه الأنواع الثلاثة ليست تاريخا فقط بل بنية؛ إذ تعبر عن علاقتها بالترجمة كمراحل متتالية للتمثل والاحتواء للنص المترجم بعد توظيفه حتى يسهل ابتلاعه. ويمكن عمل عدة صور مستمدة من الحياة العضوية والعمرانية والمعمارية والجسدية والزراعية والصناعية والتجارية المباشرة للتمثيل وضرب الأمثال، طريقة الشرقيين.
11
Page inconnue
والعرض التاريخي لا يكون نوعا أدبيا أو بنية. إنما هو المناسبة أو الحامل في الزمان والمكان.
12
فإذا كان ابن رشد قد كتب شروحه الثلاثة بناء على طلب الأمير فإن ذلك يدل على اهتمامه بالفلسفة وابن رشد هو الفيلسوف. والعلاقة بين الفلسفة والدولة علاقة حميمة طالما أن الأمير يريد المعرفة، والفيلسوف قادر على أداء المهمة. الملك الفيلسوف والفيلسوف الملك نموذج القدماء ليس صعب المنال. فبعد ثلاثمائة عام من الترجمة والشروح والتلخيصات والعروض والمؤلفات ما زال الأصل في حاجة إلى توضيح وكأن الطلب ينم عن حركة فلسفية أصولية، تود العود إلى الأصول سواء من الأمير أو من الفيلسوف. والعودة إلى الأصول كانت مطلب الفقهاء في الأندلس وأساس تحريم الفلسفة وتكفير الفلاسفة فيما بعد. كانت نية الأمير والفيلسوف الدفاع عن الفلسفة ضد المتربصين بها، والمعادين لها من الفقهاء والحساد. فالشرح توضيح لها ودفاع عنها. ولما كانت الفلسفة هي أرسطو وبالتالي فإن الدفاع عن الفلسفة هو شرح أرسطو وتوضيحه. طلب الأمير شرعي لشعوره بغربة ثقافية مع الوافد. وقد استطاع ابن رشد بشروحه الثلاثة القضاء عليها بإعادة الوافد إلى حضن الموروث، وبيان اتفاق النص والعقل والطبيعة.
والغاية من الشرح والتلخيص والجامع هي نفس الغاية من الترجمة والتعليق، استمرار ضم الوافد والموروث في وحدة ثقافية متجانسة على النحو الآتي: (1)
تجاوز الازدواجية الثقافية بين الوافد والموروث، ومزاحمة الوافد للموروث، ومقاومة الموروث للوافد حتى لا يقع الأنا الحضاري في ازدواجية الثقافة وبالتالي ازدواجية الشخصية وشق الصف الوطني، وصراع القوى السياسية كما هو الحال في هذه الأيام. (2)
تجاوز عزلة الوافد؛ وبالتالي عزلة النخبة الناقلة لها حتى لا تصبح عنصر جذب وتغريب لثقافة الموروث؛ وبالتالي يتم الاستفادة بالوافد في المصطلحات والمناهج وتطوير الموروث. (3)
تجاوز الأنا الحضاري البدوي الإحساس بالدونية أمام ثقافة الآخر العقلانية الطبيعية المفتوحة التي تقوم على تعدد الرأي والافتراض والرد والحجة والبرهان. ولا يكفي أن يقوم الوحي بتعويض الأنا هذا الإحساس بالدونية وإلا تحول إلى إحساس مضاد بالعظمة بل تطوير الأنا الحضاري الحامل للوحي وللحضارة؛ وحي الأنا وحضارة الآخر خاصة وأن كليهما يقوم على أسس مشتركة، العقل والطبيعة. (4)
عدم الوقوع في عزلة الموروث وثباته دون تطويره بالتفاعل مع الثقافات المجاورة وعقلنته طبقا لروح الثقافة الوافدة، وبيان اتفاق الوحي والعقل والطبيعة. فالوافد وسيلة والموروث غاية، وهو التقابل المعروف عند المؤرخين بين علوم العجم وعلوم العرب، بين علوم الأوائل وعلوم الأواخر أو عند الفقهاء بين علوم الوسائل وعلوم الغايات. (5)
إظهار إبداعات الأمة وحيويتها وقدرتها على الإبداع الحضاري دون التصاق بالموروث المعطى من الداخل أو تخوف من الوافد المنقول من الخارج، وثقتها بالنفس على دورها الحضاري في التاريخ منذ حضارات الشرق القديم حتى وراثتها دين الوحي ودين الطبيعة في مرحلة جديدة من تاريخ الحضارات الإنسانية. ويتم ذلك على النحو الآتي: (أ)
تحليل نص أرسطو وعرضه على العقل فما اتفق معه أخذ وما خالفه حذف تلقائيا وإكمال البنية العقلية حتى يظهر الجزء داخل الكل، وإعادة التوازن لها ضد أحادية الطرف، وفهم الموروث على جانبه العقلي والطبيعي في نظرة متكاملة وتعشيق الوافد عليه لاتفاقهما في العقل والطبيعة. (ب)
Page inconnue
عرض الموضوع على الواقع والتجربة فما اتفق معه أخذ وما خالفه سقط تلقائيا، فالواقع مثل العقل محك النظر ومعيار العلم، وإكمال الموضوع إحصائيا حتى يظهر الجزء في الكل، وتتكامل النظرة. (ج)
إدماج الوافد في الموروث حتى تظهر الوحدة بينهما من خلال العقل والطبيعة، وأهمية الوحي في الموروث كعنصر زائد على العقل والطبيعة، القاسمين المشتركين في الموروث والوافد. دور الوحي هو إعطاء الحقيقة الكلية سلفا من أجل عدم الوقوع في النظرة الجزئية، وإعطاء يقين قبلي مسبق وحقيقة موضوعية محايدة لا تخضع لأهواء البشر أو رغبات الناس، وسرعة المعرفة وإعطاؤها مرة واحدة ولو في صورة حدس في حاجة إلى برهان، فرض في حاجة إلى التحقق من صدقه بدلا من طول البحث عن الحقيقة من أجل اختصار الزمن نظرا لقصر العمر، وتوفير الجهد والوقت من أجل سرعة الانتقال من البحث النظري إلى التحقق العملي.
ليس الشرح إذن هو تفصيل النص، عبارة عبارة، وبيان مفرداتها وإعرابها وتكرار معانيها كما يفعل طلاب المدارس لامتحانهم في الفهم الموضوعي للنص بل هو بداية عملية النقل الحضاري أو نقل النص من بيئة ثقافية إلى بيئة أخرى مما يتطلب عدة عمليات لم يستطع المستشرقون الغربيون أو العرب إدراكها وحكموا عليها بأنها تشويش وخلط وسوء فهم. فلا يوجد معنى موضوعي للنص ولا حتى في ذهن مؤلفه بل توجد قراءة لنص مصمت مع أن المستشرقين يعيشون وسط التراث الغربي وعلوم الهرمنيطقيا ولكن المستشرق يتعامل مع التراث الإسلامي، تراث الغير بأقل أدوات التحليل وأضعف الإيمان. ولو أنه تعامل مع تراثه الغربي لكان أكثر عمقا وأبعد نظرا. لم يضاعف الشراح المسلمون اللبس والوهم والتشويه للنص الأرسطي بل قاموا باحتوائه وتمثله من أجل الاستعداد لمراحل تالية: العرض والتأليف والإبداع.
13
والدراسات الدقيقة والحديثة في الشروح والتلخيصات والجوامع هي الدراسات المتقابلة عندما يوضع النص الأول في مقابل النص الثاني وإخضاع الزيادة والنقصان والتأويل التي بين النصين إلى منطق دقيق كما هو الحال في طبعات الأناجيل الثلاثة المتقابلة في عواميد ثلاثة والإنجيل الرابع تحتها لاستقلاله الخاص كنص رابع. يختلف مع الأناجيل المتقابلة أكثر مما يتفق، في حين أن الأناجيل الثلاثة المتقابلة تتفق فيما بينها أكثر مما تختلف. وقد تكون هذه مهمة جيل آخر أكثر دراية بمناهج التأويل الحديثة وعلى علم أدق باليونانية والعربية والسريانية وبمناهج اللسانيات المعاصرة. وتكون مهمة جيل آخر عدم التوقف على هذه اللحظة الأولى في التاريخ في الفلسفة الإسلامية، لقاء العرب واليونان منذ ما يزيد على اثني عشر قرنا، واستئناف مسار التاريخ في لحظات التقاء أخرى مثل اللحظة الراهنة التي بدأت منذ قرنين من الزمان من التقاء العرب المحدثين مع الغرب الحديث، وكما كانت علاقة الحكماء القدماء مع سقراط وأفلاطون وأرسطو وفيثاغورس وجالينوس وأبقراط وأرشميدس وإقليدس تكون علاقة الحكماء المحدثين مع ديكارت وكانط وهيجل وهوسرل كفواصل كبار ومؤسسي مدارس ورواد مذاهب بالإضافة إلى تلاميذ كل منهم يمينا ويسارا.
14 (2) اللفظ والمعنى والشيء
وإذا كان للفكر مستويات ثلاثة؛ اللفظ والمعنى والشيء، فإن الشرح والتلخيص والجامع يتعلق كل منها بأحد مستويات الفكر. ومن المستحيل أن يكون الأصغر هو اللفظ لأن المعنى أوسع من العبارة، والأوسط بالضرورة هو المعنى فيبقى اللفظ للكبير. ولابن رشد شرحان؛ واحد في المنطق، واحد في ما بعد الطبيعة. ويكون ذلك على النحو الآتي:
15 (أ)
الانتقال من الترجمة إلى الشرح على مستوى اللفظ والعبارة والقول؛ وذلك لتحقيق عدة أهداف: (1)
التحول من الأسلوب العربي المترجم حرفيا أو معنويا إلى الأسلوب العربي المؤلف، وتطوير الترجمة بالمعنى درجة أخرى حتى يتم تذويب اللفظ المترجم الأول كخطوة نحو التأليف. ويعبر الشرح عن المعاني المترجمة بسهولة ويسر حتى تستطيع الحضارة التعامل مع المعاني مباشرة في المراحل التالية، وتوضيح ما غمض من الترجمة، وتبسيط الأفكار وتقريبها إلى الأذهان. الشرح هو تأدية المعنى بعبارة عربية سليمة من المعنى إلى اللفظ إذا كانت الترجمة من اللفظ إلى المعنى. فهما حلقتان متكاملتان، تحويل الوافد من مستوى العبارة اليونانية إلى مستوى العبارة العربية، أي ترتيب قول أرسطو وإعادة تنظيمه بتفكيكه من أجل تنظيم العبارة. (2)
Page inconnue
التخلي كلية عن المصطلحات المعربة إلى المترجمة واستقرار المصطلح العربي وكأنه نابع من اللغة العربية العادية أو الاصطلاحية للموروث، وليس مترجما من اليونانية مثل العلة والمعلول، الصورة والمادة، الجوهر والغرض، الزمان والمكان، الكيف والكم، وهي التي أصبحت المكون الرئيسي للمبادئ العامة في علم الكلام المتأخر بعد أن اعتمد على الفلسفة. (3)
البرهنة على صحة الأفكار المشروحة والتمثيل لها شرحا وتوضيحا، وتبني قضايا النص المترجم وإعمال مزيد من العقل، وجعله مقبولا مستساغا وكأنه نابع من الموروث وليس آتيا من الوافد، التعامل مع النص من أعلى وليس من أسفل، من القلب وليس من الأطراف، من الجوهر وليس من العرض، من المركز وليس من المحيط، من المعنى وليس من اللفظ. كما يهدف إلى التصريح بالضمني واستخلاص النتائج المضمونة. (4)
وضع الجزء في إطار الكل وإعادته داخل البنية الكلية مثل اعتبار الشعر جزءا من المنطق. (5)
الإشارة إلى الوافد أكثر من الإشارة إلى الموروث والإحالة إلى العرب أكثر من الإحالة إلى اليونان، وتغيير البيئة الثقافية من النص المترجم إلى النص المشروح. فغاية الشرح إرجاع القول الوافد إلى الشيء المدروس من الموروث، تحويل الوافد من الخارج إلى الموروث الداخل، وتركيب التصورات اليونانية على التصورات الإسلامية. (6)
ضبط المعنى غير المتوازن وجعله أكثر توازنا أو إكمال المعنى الناقص وجعله أكثر تكاملا. فالعقل قد يكون حاد المزاج، أحادي الطرف، والعقل مع النص أكثر اعتدالا وتكاملا، وتحديد المطالب التي قد تحدث لبسا وحلها من أجل التوضيح للمعنى، وتحديد قصد أرسطو على مستوى الموضوع أو الشيء. (7)
تقوية يسار الأرسطية ضد يمينها، وتخليص النص الأرسطي من التأويلات المسيحية اليونانية والإسلامية مع توظيفه إلى الداخل لنقد الأشعرية والتصوف والفلسفة الإشراقية.
16
وتباين القصد بين أرسطو والمسلمين، فهم أرسطو له وقصد المسلمين منه تعبير عن طبيعة العمل الحضاري ونقل النص وتوظيفه وإعادة بنائه من حضارة إلى أخرى. فهو بالإيجاب لا بالسلب.
17
كما أن أسئلة الباحثين عن علاقة النص بالشرح تدخل ضمن العمليات الحضارية التي تتم انتقالا من الترجمة إلى الشرح، ومن المؤلف أو المترجم إلى الشارح مثل: كيف فهم المسلمون كتاب الشعر؟ فالفهم بداية والعمليات الحضارية من الشرح إلى التأليف إلى الإبداع. فقد فهم الشراح المسلمون معنى الملحمة والدراما، ورفضوا تقليد معاني شعرهم، مما يدل على تجاوز الفهم الموضوعي إلى النقل الحضاري. والإبداع فهم. والحكم بأنهم حرفوا هذه الكتب كي تتلاءم مع أفكارهم حكم خاطئ لأنه يقوم على أن الشرح تكرار ونقل مطابق من الترجمة إلى الشرح وإسقاط العمليات الحضارية التي تتم منذ نقل النص من بيئة ثقافية إلى بيئة ثقافية أخرى. وقد تمت في مرحلة الترجمة عند المترجم قبل أن تتم عند الشارح. وإن فهم الأفكار العامة يعني أخذ لب الموضوع وأساسه من أجل إعادة بنائه وتركيبه انتقالا من الخاص إلى العام، ومن التاريخ إلى البنية. أما أنهم لم يفهموه على الإطلاق فهذا حكم يقوم على مفهوم المطابقة بين الترجمة والشرح. وهو مفهوم يقوم في ذهن المستشرق على افتراض التبعية، تبعية الشارح للمشروح والقارئ للمقروء. كما يعتمد لا شعوريا على الوضعية التي ترى وجودها في موضوعية النصوص. فالمعاني أشياء. ولا يوجد فهم صائب وفهم خاطئ بل يوجد تأويل وقراءة للآخر طبقا للأنا، قراءة الموضوع طبقا للحاجة، نقل النص من مستوى الموضوع إلى مستوى الذات، من ثقافة الأنا إلى ثقافة الآخر.
Page inconnue
ليست وظيفة الشرح ضبط الترجمة، ويكون ذلك إحدى وظائف الشرح وميزاته على الترجمة. فغاية الشرح احتواء الترجمة وقراءتها وليس ضبطها نظرا لتباين المستويين. يضبط الشرح المعنى وليس اللفظ، ومن الطبيعي أن يكون الشرح أكثر وضوحا من الترجمة وأسلس عبارة. الترجمة خطوة أولى والشرح خطوة ثانية لاحقة بعد التعليق. ولا يستعمل اللاحق لضبط السابق بل يستعمل السابق لمعرفة كيفية خروج اللاحق منه، ليست الغاية ضبط النص المترجم فهو ليس نصا منفصلا يوضع في متحف ويتم الحفاظ عليه وتقديسه أو تحنيطه بل هو بداية عملية جنينية. هو الخلية الأولى التي منها يبدأ الشرح والتلخيص مع التأليف في كل مراحله. وليست مهمة المترجم وعالم اللغة مقارنة الترجمة بالشرح لضبط الأولى، ولكنها مهمة الفيلسوف لمعرفة وجوه عدم التطابق بين الترجمة والشرح وكيفية تطور النص المترجم إلى نص مشروح وانتقال الجنين من مرحلة الحمل إلى مرحلة الولادة، وقد يقرب الشرح أو يبعد عن النص لأن الشرح خطوة نحو التأليف؛ لذلك تظهر بوادر التأليف في الشرح. فإذا خالف الشرح النص يفضل الشرح لأنه تأليف مبكر، وهي نفس العلاقة بين النص اليوناني والنص العربي. إذا خالف النص العربي النص اليوناني فهو شرح مبكر، الشرح نظرية في الإيضاح، إيضاح ما غمض من الترجمة، تحويل النص المترجم من مستوى اللغة إلى مستوى المعنى، من مستوى النص إلى مستوى العقل، الترجمة لفظ، والشرح معنى، مهمة المترجم تحسين اللفظ، ومهمة الشارح توضيح المعنى، وظيفة الشرح بعد الترجمة عرض الفكرة دون جسدها اللفظي ثم الانتقال إلى التعبير عنها بلفظ طبيعي غير منقول. وإذا ظهرت بعض الركاكة في الترجمة فإن جمال العبارة يظهر في الشرح قبل التأليف في الموضوع انتقالا من الترجمة والنقل إلى التمثل والاحتواء.
18
فإذا ما ساير شرحان لابن سينا وابن رشد الترجمة في حالة الموضوع والاتفاق في المصطلحات فإن ذلك يعني وجود بداية موضوعية وفهم لنواة النص. أما إذا خالف الشرح الترجمة تكون للشرح الأولوية على النص لأن الشرح قام بدور الفهم والبناء والتركيب كخطوة نحو التأليف. وأصبحت الترجمة عملا تاريخيا ماضيا بغير ذي دلالة مثل النفايات النووية بعد أخذ الطاقة منها. وإن استعمال بعض ألفاظ الفهم والتمثل والاحتواء والهضم والمضغ والازدراد والإخراج من العمليات العضوية لوصف العمليات الحضارية له ما يبرره في الوعي الحضاري. وهو وعي حي له عملياته في التمثل والإخراج، في النقل والإبداع. (ب)
الانتقال من الشرح إلى التلخيص على مستوى المعنى: ويتم الانتقال من الترجمة والشرح إلى التلخيص على مستوى المعنى، من أجل التركيز والتعامل مع المعاني كماهيات ووحدات مستقلة يمكن إعادة تركيبها وبنائها في مرحلة التأليف. ولابن رشد تسعة تلخيصات؛ ثمانية في المنطق وواحد في الطبيعيات. والهدف من ذلك: (1)
الانتقال من الغموض إلى الوضوح، وما تبقى من المنقول إلى المعقول من أجل إبراز المعنى الخالص بصرف النظر عن مصدره، وافد أو موروث، عقلي أو نقلي، ورفع قلق عبارات المترجمين. (2)
العرض العقلي النظري الخالص بلا أمثلة على مستوى العموم أو الخصوص. فالفكرة واضحة بذاتها، تحتوي على مقياس صدقها في ذاتها. (3)
الترابط المنطقي في البنية العقلية على مستوى الاتساق الداخلي للموضوع حتى يظهر الموضوع العقلي قبل أن يتحول في التأليف إلى الموضوع الواقعي. (4)
حذف الزائد وإكمال الناقص، وبلورة المعنى وتحديد الموضوع حتى يصبح مركزا مدببا يمكن التعامل معه في بناء موضوع أشمل وأعم، تخليص الشرح مما زال عالقا به من أخلاط من أجل الإيجاز والاختصار. (5)
الإقلال من المادة والأمثلة على مستوى التعميم والتطبيق سواء في البيئة الثقافية للترجمة الأولى أو في البيئة الثقافية الثانية للتلخيص. (6)
تخليص النص المشروح من الأقاويل الجدلية والخطابية وتحويلها إلى أقاويل برهانية أكثر دقة من أجل إحكام طرق استدلالاتها لتصبح نظرية عامة خارج إطار بيئتها المحلية. (7)
Page inconnue
وضع الوافد في الموروث منعا للتغريب والازدواجية ليس فقط على طريقة الوعاء كما هو الحال في الشرح بل عن طريق الموضوعات نفسها أي بداية للتحول من الشكل إلى المضمون، ومن الألفاظ إلى المعاني.
وكما أن الشرح مرحلة تالية للتعليق والتعليق مرحلة تالية للترجمة، فإن التلخيص مرحلة تالية للشرح، يبدأ بالمعنى وليس باللفظ، بالقصد وليس بالعبارة. ومع ذلك قد تكون الترجمة تلخيصا منذ البداية، مجرد التعرف على المعنى حتى يتضح في الذهن، والتعبير عن ذلك باللغة العربية المباشرة حتى يتم التأليف في الموضوع. فالترجمة تتم بناء على باعث فكري واهتمام فلسفي بالموضوع. وذلك مثل ترجمة الآثار العلوية. فهي مجرد تلخيص بطريقة القول الشارح. وقد يكون الشرح تلخيصا أي إدماجا وحذفا كيفيا دون حذف كمي. إذا كان النص المنقول غير متوازن المقالات من حيث الكم فإن وظيفة الشرح إعادة إنتاج النص بحيث يحقق توازنا أكبر بين المقالات. وإذا ما تفاوتت مؤلفات أرسطو فيما بينها من حيث الكم فإن الشرح لا يلتزم بنفس النسبة الكمية. قد يسهب في كتاب قصير، ويختصر كتابا طويلا.
19
قد يكون الهدف من الشرح جمع الموضوعات المشتتة المفرقة دون قسمة جامعة بينها أو بنية. مهمة الشرح لم الموضوع وجمع عناصره المتناثرة في بنية واحدة كما هو الحال في كتاب الآثار العلوية الذي تشتت موضوعاته وتتفرق دون قسمة جامعة بينها.
20
وبالتالي يصبح الشرح هو الأصل والترجمة هي الفرع، عملية وعي حضاري بقلب الأصل فرعا، والفرع أصلا.
وقد يقوم النقلة أنفسهم بمختصرات قبل الشراح والفلاسفة. يساهم في ذلك الأدباء والأطباء وكل أهل الثقافة المشتغلين بالفكر سواء كانوا معروفين أو غير معروفين، يأتي التلخيص قبل الترجمة كما هو الحال في كتاب الشعر قبل ترجمته من أجل مجرد التعريف بالكتاب. فإن دعت الحاجة بعد ذلك إلى ترجمته كلية جاءت الترجمة في جو ممهد ثقافيا لقبول الكتاب والرغبة في التعرف على المعاني قبل الألفاظ على عكس كتب المنطق الأخرى التي بدأت ترجماتها قبل شرحها وتلخيصها. وقد يتم التلخيص والشرح مع الترجمة وربما قبلها في صياغتها وحولها من أجل تفتيت النص من الداخل ثم حصاره من الخارج. ولا يتحقق الغرض عن طريق محاصرة النص بوضع الشرح مع النص مساويا له في الأهمية وبالتالي يتم ابتلاع النص في الشرح.
التلخيص إحدى مراحل الانتقال من الترجمة والتعليق والشرح إلى الجامع والتأليف والإبداع، بداية التأليف المستقل من النص وإن كان في معانيه دون الالتزام بحروفه. ليست مهمته الإضافة والزيادة بل العرض الواضح للموضوع مع إعادة الترتيب وتقطيع النص إلى وحدات جزئية وإبراز المعاني والأشياء وراء الألفاظ والعبارات. التلخيص قراءة، والقراءة إعادة بناء القديم طبقا للجديد، أسسه واحتياجاته. فالحكم بعدم الجدة في التلخيص يصدر عن عقلية الانقطاع، وإضافة شيء جديد بديلا عن شيء قديم من الخارج وليس على عقلية التواصل، استخراج الجديد من القديم من الداخل عن طريق التولد. يضع التلخيص الجزء في الكل، وأحد كتب المنطق داخل كتب المنطق كلها، وبيان جوانب الموضوع في بنية واحدة ورؤية القصد الكلي للعمل. (ج)
الانتقال من التلخيص إلى الجامع على مستوى الشيء: فإذا كان الشرح يقترب من النص كلفظ وعبارة، وينتقل التلخيص إلى المعنى والمفهوم فإن الجامع يذهب إلى الموضوع مباشرة فيما وراء الألفاظ والمعاني لإبرازه حتى يراه القارئ، ولابن رشد جوامع إحدى عشر، ثلاثة في المنطق، وسبعة في الطبيعيات وواحد في السياسة.
21
Page inconnue
وتهدف الجوامع إلى: (1)
التوجه مباشرة نحو الموضوع من أجل إعادة صياغته واستئناف عملية التحول من النقل إلى الإبداع. (2)
تغيير كتب أرسطو المختلفة في «الأرجانون» وإعطائها عناوين أخرى، وإعادة عرضها بطريقة أكثر عقلانية بحيث تعبر عن بيئتها الداخلية. (3)
تقديم صناعة المنطق بحيث تبدو متلائمة مع طريقة أرسطو أي إعادة التركيب مع الحفاظ على البيئة.
22 (4)
عرض المذهب من حيث هو قول برهاني ونقله من مجاله الحيوي، مجال الحوار والجدل والنقد التعليمي إلى ميدان البرهان الخالص. (5)
تخليصه من الشوائب الأفلوطينية والأفلاطونية.
23 (د)
تحليل المضمون؛ يضم تحليل مضمون كل نص من الشرح أو التلخيص أو الجامع الخطوات الآتية: (1)
تحليل أفعال القول لمعرفة إلى أي حد الشرح أو التلخيص أو الجامع يتعامل مع الألفاظ أو المعاني أو الأشياء كما هو الحال في تحليل ألفاظ الرواية في الحديث وفي الأصول. (2)
Page inconnue
تحليل ألفاظ البيان والإيضاح وأنماط الاعتقاد، الظن والشك واليقين والاستفهام، لمعرفة كيفية توضيح الشرح للنص المترجم، وأن الغاية هو تجاوز اللفظ إلى المعنى. (3)
تحليل الوافد وكيف أمكن تقطيعه من أجل مضغه وبلعه وتمثله ثم إخراجه، سواء كان أسماء أعلام أو فرق ومذاهب أو أعمال أو أمثلة وافدة. (4)
تحليل الموروث لمعرفة كيفية تركيب الوافد عليه، أسماء أعلام أو أعمال أو بيئة جغرافية أو لسان عربي أو مصطلحات منقولة أو معربة، علوم إسلامية أو آيات قرآنية وأحاديث نبوية. (5)
تحليل البدايات والخواتيم في كل نص، البسملات والحمدلات والصلوات والدعوات بالتوفيق لأنها تضع «الكادر» العام الذي يتم فيه الشرح مع المكان والزمان والناسخ والملكية الشرعية للمخطوط، يدل على أن الشرح عمل حضاري وليس مجرد شرح على نص، ويدل على حال الأمة والدعوة لمصر أو لإشبيلية المحروسة من الغزوات الصليبية والاستعمارية الحديثة. فالنص كما أنه يعبر عن فكر فلسفي يعكس أوضاعا سياسية واجتماعية.
ومنهج تحليل المضمون لا يتم إلا في النص الأصلي، الشرح أو التلخيص أو الجامع لأنه يقوم على تحليل الألفاظ، ولا ينطبق على الترجمات العبرية أو اللاتينية أو الأوروبية الحديثة. فهذه خضعت لعمليات حضارية أخرى، وذلك مثل نصوص الوحي التي لا يمكن تحليلها لغويا إلا في لغتها الأصلية العربية أو الآرامية أو العبرية. فقد تعرف المترجم اللاتيني بناء على نفس العمليات الحضارية المضادة، إسقاط المصطلحات والألفاظ والأمثلة المحلية ووضع لاتينية مكانها مع ترك البسملات والحمدلات وكل ما يظن المترجم اللاتيني أنه يتعلق بالبيئة الثقافية العربية الإسلامية ولا يدخل مباشرة في الموضوع على عكس المترجم العربي الأول الذي تغلب على ثقافة اليونان المغايرة بإيجاد مصطلحات عربية ملائمة مثل ترجمة لفظ آلهة جمعا بلفظ الملائكة. تفيد الترجمات اللاتينية لمعرفة كيفية نقل العلوم العربية الإسلامية إلى اللاتينية. يقوم بتحليلها إما باحثون عرب أو أوربيون. فقد يدل المحذوف على أحد أسباب أزمة العلوم الأوروبية بناء على الفصل بين الواقع والقيمة إذا كان المحذوف هو كل ما يتعلق بعالم القيم.
وبالرغم من طابع التكرار لهذا التحليل في كل عمل متكرر كما هو الحال في تلاخيص الكتب الثمانية للمنطق عند ابن رشد، وأنه من الأفضل تجميع هذه العناصر مرة واحدة وليس عملا عملا إلا أن الرغبة في الحفاظ على وحدة العمل، وفردية كل تلخيص هي التي غلبت حتى ولو ساد بعض التكرار النمطي العناصر التحليل في كل تلخيص.
ونظرا لإمكانية إدماج هذه العناصر الخمسة السابقة للتحليل في ثلاثة فقط الوافد والموروث والآليات التي تشمل تحليل ألفاظ القول والبيان، وضم البدايات والخواتيم الدينية للموروث، يمكن عرض الشروح والتلخيصات والجوامع بثلاثة طرق رئيسية. كل منها ينقسم إلى طريقتين فرعيتين مع استبعاد المنطق والطبيعيات إلى أجزاء وإلا تشعبت القسمة بحيث لا يمكن السيطرة عليها على النحو الآتي:
الوافد والموروث والآليات هي القسمة الرئيسية باعتبارها المكونات الرئيسية لكل علوم الحكمة في كل مراحلها، الترجمة والتعليق والشرح، والتلخيص والتأليف والإبداع. ثم يتم داخل كل عنصر عرض الشرح والتلخيص والجامع بداية بكل علم، المنطق والطبيعيات والإلهيات، ثم كتابا كتابا داخل كل علم أو يتم داخل كل عنصر عرض الأنواع الأدبية الثلاثة؛ الشرح والتلخيص والجامع على النحو الآتي:
وميزة هذه الطريقة أنها تركز على المكونات الرئيسية للإبداع، الوافد والموروث والآليات لتبين كيفية التفاعل بينها بصرف النظر عن النوع الأدبي أو العلوم، ولكن عيبها التفصيلات الكثيرة والتكرار وضياع وحدة العمل الفلسفي، والبداية بالوافد والموروث والآليات وهي في النهاية مجردات وافتراض علمي لا وجود له كوحدة فعلية إلا في الوعي الحضاري العام خاصة وأنه عدد المؤلفات يتجاوز الخمسين.
وميزة هذه القسمة البداية بالعلوم سواء ببيان الأنواع الأدبية فيها ثم العناصر التكوينية داخل كل نوع أو بالعناصر التكوينية ثم بالأنواع الأدبية، ولكن عيبها أنها تجعل العلم هو الوحدة الأولى للتحليل مع أن العلوم الثلاثة قد تخضع لمنطق حضاري واحد سواء ظهر هذا المنطق من خلال الأنواع الأدبية أولا قبل العناصر التكوينية أو من خلال العناصر التكوينية أولا قبل الأنواع الأدبية.
Page inconnue
وميزة هذه الطريقة أن وحدة التحليل الأولى هو النوع الأدبي ثم بعد ذلك إما ينقسم إلى علوم ثم عناصر تكوينية أو إلى عناصر تكوينية ثم علوم. وإذا كان الإبداع أساسا في الشكل الأدبي فإنها قد تكون الأفضل. وإذا كان كل عمل فلسفي له وحدته العضوية الخاصة كعمل إبداعي فريد فإن البداية بالعلوم بعد الأنواع الأدبية وعرض العناصر التكوينية داخل كل علم ابتداء من كل كتاب فيه خاصة المنطق والطبيعيات قد يكون هو الأفضل من أجل وصف عمليات الشرح ومراحله المختلفة قبل التأليف والإبداع.
وقد تحدث المؤرخون القدماء عن الشرح مع قائمة بالنصوص المشروحة. وليس هذا هو المقصود، بل المقصود وهو وضع منطق محكم للشرح سواء كان تفسيرا أو اختصارا.
ويمكن عرض الشرح بطريقتين؛ الأولى عرض مكونات الشرح وعناصره الأولوية والمقارنة بين النص المشروح والنص الشارح لمعرفة منطق الشرح، الإضافة والحذف والتأويل، كما هو الحال في منطق الترجمة بصرف النظر عن وحدة العمل المشروح. فالشرح موضوع واحد، يخضع لمنطق واحد وآليات واحدة. وهذه هي الطريقة العرضية التي تتخلل الشروح كلها. وتقتضي هذه الطريقة إيجاد نسق وترتيب مثل الترتيب الزماني للشروح بداية بالفارابي حتى ابن رشد وترتيبا داخليا في ابن رشد بداية بالمنطق، شرح البرهان، ثم ما بعد الطبيعة، تفسير ما بعد الطبيعة.
والثانية عرض الشروح عملا عملا حتى لا تفقد وحدتها العضوية كعمل فلسفي ثم الكشف عن منطق الشرح وآلياته داخل كل عمل. وهي الطريقة الطولية التي تسير طبقا للترتيب الزماني للشروح ابتداء من الفارابي وابن باجه وابن رشد. فلربما هناك تطور في آليات الشرح. وعيب هذه الطريقة التكرار، تكرار النتائج مع تكرار كل عمل، ولكنها الطريقة الأفضل. فلربما تغيرت آليات الشرح من عمل إلى عمل، ومن فيلسوف إلى فيلسوف، ومن عصر إلى عصر.
ولا فرق بين الشروح في تحليلها سواء كانت من الفارابي أو ابن باجه أو ابن رشد. فالعمليات الحضارية واحدة. هنا يتداخل التاريخ مع البنية. ويساعد تحليل الشروح زمانيا على اكتشاف البنية اللازمانية. كما تساعد البنية اللازمانية على تحليل أي شرح جديد في ترتيبه التاريخي. فالموضوع واحد بالرغم من تعدد الشراح. ومجرد التتبع التاريخي للنصوص المترجمة أو الشارحة لا يعطي البنية إنما يساعد فقط على كشفها ووصف العمليات الحضارية التي وراءها لا فرق في ذلك بين النصوص من حيث موضوعاتها فلسفية أو علمية أو أخلاقية. وإن بقاء الموضوع على نفس المنوال بالرغم من اختلاف الفلاسفة يثبت وحدة الموضوع وتعدد الفلاسفة. وهو ما يؤكد أهمية دراسة علوم الحكمة كموضوعات وليس كأشخاص، كبنية وليس كتاريخ.
ثانيا: تفسير وشرح يحيى بن عدي والفارابي
(1) تفسير وشرح ابن عدي (أ) وقد ساهم المترجمون في التفسير مثل تفسير يحيى بن عدي للمقالة الأولى من كتاب أرسطوطاليس الموسوم بمطاطافوسيقا أي ما بعد الطبيعة وهي «الموسومة بالألف الصغرى» ليحيى بن عدي (364ه) وبنفس الطريقة:
1
اقتباس نص من أرسطو بين معقوفتين تسبقها قال أرسطوطاليس أو «قول» استدراكا أو «قول الفيلسوف» أو «قال الفيلسوف» أو «قال»، ثم التفسير بداية بعبارة «قال يحيى بن عدي».
2
Page inconnue
ولا تبدأ كل الفقرات بفعل القول بل هناك فقرات أخرى تصف أفعال الشعور التأملي مثل: وصف، قصد، بين، أخذ، أتى، حكم، فرغ؛ فالتفسير وضع لأفعال الفكر بداية ونهاية، مقدمات ونتائج بأفعال الشرط مثل «إن كان ...» أو بحروف الاستنتاج مثل «وعلى هذا.» وتبدأ بعض الفقرات بأسماء أي بأشياء وصفا للموضوعات ذاتها خارج أفعال القول، ورؤية من المفسر للشيء مباشرة موضوع القول مثل «اسم الطبيعيات»، والتفسير معياري، ما ينبغي أن يكون عليه فهم القول؛ لذلك تتكرر أفعال «ينبغي». فهو تفسير بناء على قوانين العقل، تفسير مبدئي وليس مجرد تفسير لغوي. وفي نفس الوقت يبحث عن العلة، وتعليل الأحكام والآراء، على ما هو معروف في علم أصول الفقه في التعليل، وهو نوع من البرهان المادي بالإضافة إلى الاستدلال الصوري. ويبحث عن غرض الفيلسوف، فالتفسير بالقصد الكلي وليس بالعبارة الجزئية. وهو البحث في الأمور الصورية العرية عن الهيولى، ويتم شرح موضوع موضوع عن طريق تحديد الألفاظ مثل النظر أو الطبيعة من أجل تحديد المعاني بدقة وإزالة ما قد يكون فيها من غموض واشتباه. وتظهر الثقافة المحلية كمادة للتفسير مثل أن شكر المحسن واجب المستمد من شكر المنعم عند المعتزلة. وتندر العبارات الإنشائية مثل «لعمري»، «لعل» نظرا لأن التفسير نوع علمي أكثر منه نوعا أدبي. ويندر أن يكون الحديث بضمير المتكلم، فالغالب هو ضمير الغائب، فالعالم له معاييره الموضوعية باستثناء مرة واحدة «ووجدت ذلك بالسريانية على هذه الحكاية.» نظرا لارتباط النص بالترجمة من السريانية نقل إسحق. ومن الناحية الكمية النص أقصر من التفسير، والتفسير أطول من النص. النص تركيز والشرح إسهاب كما هو الحال في علم التفسير، ويخلو من الإيمانيات باستثناء البسملة في البداية. (ب) ولم يقتصر دور المترجمين على النقل وحده بل تعداه إلى الشرح مثل «شرح معاني مقالة الإسكندر الأفروديسي في الفرق بين الجنس والمادة على ما فهمته منها أنا يحيى بن عدي بن حميد بن زكريا.» (364ه).
3
ولا يبدو فرق كبير بين الشرح والتفسير. يبدأ الشرح مثل التفسير باقتباس نص من الإسكندر بين معقوفتين ثم شرح ابن عدي له. «قال الإسكندر» أقل من «قال يحيى بن عدي» أي أن الشرح أكثر تكرار من النص الأصلي. النص أصل والشرح فرع.
4
يغلب على أفعال الفكر، ينبغي ثم أخذ ثم يشير، وصف، يدل، وحرف الشرط إن كان، ثم الأسماء مثل عموم الجنس، المعنى، ويتم استدراك النصوص من جديد داخل الشرح حتى يمكن الاستشهاد به، تقطيعة أجزاء صغيرة حتى يسهل تمثله. وتظهر بعض الإنشائيات مثل الحديث عن لطف الفيلسوف في تصريحه. فالعلم شعوري، والبسملة في البداية، وعون الله في النهاية. (2) تفسير وشروح الفارابي (أ)
وللفارابي كلام في تفسير كتاب المدخل.
5
وهو أقرب إلى الجوامع؛ إذ يغيب عنه الوافد والموروث. ويتوجه مباشرة نحو الموضوع. فالتفسير هنا ليس للنص بل رؤية لموضوعه. يبدأ بتعريف صناعة المنطق بأنه العقل الذي يتوجه نحو الصواب احترازا من الخطأ ومنزلته من العقل منزلة النحو من اللسان.
والصنائع قياسية وغير قياسية. وتستكمل القياسية بأجزائها الخمسة؛ الفلسفة، والجدل، والسفسطائية، والخطابة، والشعر. الفلسفة هنا مقدمة للمنطق. وقد تعني منطق اليقين، المقولات، والعبارة، والقياس والبرهان. وغير القياسية هي المهن العملية مثل الطب والفلاحة والنجارة والبناء التي ربما تعتمد على التجربة ولو أن بعض أجزائها في حاجة إلى قياس.
ويستعمل القياس في مخاطبة الآخرين أو مخاطبة الإنسان لنفسه، وكذلك تستعمل الفلسفة في الأمرين معا. وغاية السفسطائية غلبة المخاطب فيما يظن أنه مشهور دون أن يكون كذلك ومن أجل التمويه. فالسفسطة حكمة مموهة. وغاية المخاطبة إقناع السامع وسكون النفس إلى المخاطب. والشعر يلتمس محاكاة الشيء وتخيله كالفنان الذي يصنع التماثيل.
Page inconnue
تعطي صناعة المنطق كل جزء من القياس قوانينه تختبر في الاستعمال؛ ومن ثم تصبح أجزاء المنطق ثمانية. الأول: المقولات وتشتمل على كل المعقولات والألفاظ الدالة عليها. والثاني: العبارة وتشمل أيضا المعقولات والألفاظ الدالة عليها أيضا في التركيب الأول كمقدمات. الثالث: القياس وهو القول المركب من عدة مقدمات، والرابع: البرهان الذي يضم القوانين التي تلتئم منها الحدود. هذا بالإضافة إلى الكتب الأربعة الأخرى في منطق الظن؛ الجدل، والسفسطة، والخطابة، والشعر.
وتؤدي صناعة المنطق إلى اليقين. واسمه مشتق من النطق. والمناطقة يسمون الصفات محمولات، والموصوفات موضوعات. والصفات إما بسيطة أو مركبة. البسيط ما دل عليه اللفظ المفرد، والمركب ما دل عليه اللفظ المركب. فاللغة بعد في المنطق. وعلاقة الموضوع بالمحمول أي الصفة بالموصوف علاقة تشابه أو اختلاف، والتشابه أو الاختلاف إما أن يكون في الجوهر أو في الحالات. والتشابه بين محمولين في الجوهر هو المحمول الكلي، وهو الجنس وأخصه النوع. وإذا كان التشابه في الحال يكون غرضا أو فصلا أو خاصة، وهي الأسماء الخمسة التي عدها فرفوريوس.
ولما كانت الفلسفة جزءا من المنطق كما أن المنطق هو الآلة للفلسفة انقسمت الفلسفة إلى أربعة أقسام؛ التعاليم، والعلم الطبيعي، والعلم الإلهي، والعلم المدني؛ فالرياضة تأتي أولا، وتقوم مقام المنطق. والطبيعيات تسبق الإلهيات. ويظهر العلم المدني، الاجتماع والسياسة والتاريخ كقسم رابع للفلسفة وقسمتها التقليدية الثلاثية إلى منطق وطبيعيات وإلهيات؛ فالمجتمع هو المصب النهائي للحكمة الثلاثية. ثم تنقسم التعاليم أربعة أجزاء؛ العدد، والهندسة، والنجوم، والموسيقى، وهو الرباعي الشهير في الفلسفة المدرسية. والعلم الطبيعي ينظر في الأجسام وطباعها. والعلم الإلهي ينظر فيما ليس بجسم سلبا للعلم الطبيعي. والعلم المدني يبحث عن السعادة الحقيقة ووسيلة الحصول عليها من المدن إيجابا أم سلبا. فالأخلاق أساس العلم المدني، وينتهي التفسير بدعوة الناسخ الفقير إلى ربه بالجامع الأعظم.
6
ولا يعني التفسير هنا النوع الأدبي المستقر في «تفسير ما بعد الطبيعة» لابن رشد ولكنه يتداخل مع معاني «المدخل» و«التوطئة» و«الشرح» و«الإملاء»، أقرب إلى الجوامع منه إلى الشرح أو التفسير لأنه يتجه نحو الموضوع مباشرة. وهي صناعة المنطق. وتقسيمها إلى قياسية وهي خمسة؛ الفلسفة، والجدل، والسفسطائية، والخطابة، والشعر، وغير القياسية للأعمال مثل الطب والفلاحة والنجارة والبناء وسائر الصنائع العملية. وأجزاء المنطق كلها ثمانية: المعقولات (المقولات)، العبارة، القياس، البرهان. ثم يتناول الفارابي بالتفصيل الألفاظ البسيطة والمركبة والمحمول.
أما الفلسفة فأربعة أجزاء؛ التعاليم، والطبيعي، والإلهي، والمدني، والتعاليم أربعة؛ العدد، والهندسة، والنجوم، والموسيقى. ويبدو أن الشرح هنا يعني العرض أو التقسيم أو الإحصاء دون أن يكون نوعا أدبيا محددا.
وتغيب أسماء الأعلام من الوافد أو الموروث. ومع ذلك يبدو الموروث على نحو مباشر في جعل منزلة المنطق من العقل مثل منزلة النحو من اللسان وكما هو الحال في المناظرة الشهيرة بين المنطق والنحو بين متى بن يونس تلميذ الفارابي وأبي سعيد السيرافي.
7 (ب)
ويعتبر «شرح العبارة» للفارابي نموذجا سابقا على أرسطو.
8
Page inconnue