De la transmission à la création (Volume 1 La transmission): (2) Le texte: la traduction - le terme - le commentaire
من النقل إلى الإبداع (المجلد الأول النقل): (٢) النص: الترجمة – المصطلح – التعليق
Genres
إعادة ترجمة المنطق حاليا عن اللغة اليونانية مباشرة، وهو بعيد للغاية، وعن الترجمات الغربية الحديثة خاصة الفرنسية، دون الموقف الحضاري القديم، ودون أخذ موقف حضاري جديد من الوافد الغربي، كما فعل قدماء المترجمين مع الوافد القديم اليوناني، استشراق خالص يقوم على اعتبار أن النص اليوناني هو الأساس، وأن الترجمة العربية المطابقة هي الفرع، وكلما كانت المطابقة تامة كانت الترجمة صحيحة. ولا يوجد نص أرسطي يوناني موضوع خارج رؤيته الحضارية، كما لا توجد ترجمة له خارج الرؤية الحضارية للمترجم ومقاصده.
104
وتكتفي التعليقات بشرح الألفاظ أو التعريف بأسماء الأعلام والأماكن، كما تفعل القواميس اللغوية والتاريخية والجغرافية الحديثة. وهي كاشفة عن الموقف الحضاري للمستشرق العربي المعاصر، الذي يخلو من أي موقف حضاري جديد بالنسبة للوافد الغربي، والذي أيضا لا يتفاعل مع الترجمة القديمة، من خلال تحليل الموقف الحضاري القديم؛ لذلك تقتصر التعليقات على الهوامش المدرسية، وتختفي شخصية الناشر بالرغم من تضخمها في مجالات أخرى، ويبدو قصير القامة في الهوامش بلا رؤية أو قصد. ولا يضير الترجمة العربية اختلافها مع الترجمات الأوروبية الحديثة، ولا تحسن باتفاقها معها؛ فالموقفان الحضاريان مختلفان. كذلك لم تخضع الترجمات اللاتينية والفرنسية والإنجليزية الحديثة، لنفس عمليات النقل الحضاري التي حكمت الترجمة العربية، نظرا لسيادة النزعة التاريخية ونظرية المطابقة.
الترجمة نقل حضاري للنص من حضارة أولى قديمة إلى حضارة ثانية حديثة، وليس مجرد نص منقول عن سياقه الحضاري. والنقل الحضاري خارج معيار الخطأ والصواب القاموسي، الذي يقوم على نظرية المطابقة وعلم المعاجم، وقواميس اللغة خارج التاريخ والحضارة والثقافة، بل إن الناسخ للترجمة كان له دور إبداعي يتجاوز مجرد النسخ، ويعتمد فيه على تلخيصات تالية معظمها من ابن رشد؛ فالنسخ جزء من العملية الحضارية كالقراءة، النص عمل جماعي منذ الترجمة حتى القراءة عبورا بالنسخ. وتلخيص ابن رشد للمنطق معبر عن رؤيته الحضارية المتأخرة، لإعادة النص الأرسطي الأول إلى نصابه ونشأته الأولى قبل تأويل الشراح، يونان ومسلمين، عودا إلى الأصل، وتمسكا بالنص الأول دون غيره من الشروح. وهو الموقف السلفي الشائع بالنسبة لأولوية النص القرآني على كل التفاسير حوله.
وفي حالة غياب الترجمة العربية القديمة لعمل من أعمال أرسطو مثل كتاب السياسة، قد يقوم مترجم حديث بإكمال هذا النص، ويترجمه ترجمة حديثة عن الفرنسية، وليس عن الأصل اليوناني. وقد ينقل الموقف الحضاري للمترجم الفرنسي في الترجمة العربية الحديثة؛ لأنه هو موقف المترجم العربي الحديث، للنظر إلى اليونان من خلال الغرب، أو لأنه ليس له موقف حضاري عربي قديم أو حديث، كما كان المترجم العربي القديم. يعتمد على الترجمة الفرنسية والإحالة إلى مصطلحاتها، وينقل هوامش المترجم الفرنسي؛ فالعلم لا وطن له. كما أن المراجعة على الترجمة اللاتينية القديمة لا تجدي؛ نظرا لاختلاف الموقفين الحضاريين للمترجم اللاتيني عن المترجم العربي القديم والمترجم العربي الحديث عن الترجمة الأوروبية؛ لذلك كان شرح المعنى القديم للقارئ الحديث تحصيل حاصل. ويدل على الموقف الحضاري للمترجم الحالي وجود معنى موضوعي للنص يأتي من داخله، ويمكن نقله من لغة إلى أخرى، ومن عصر إلى آخر، وهو التصور الغالب على الدراسات التاريخية في الغرب في القرن الماضي.
105
وتبقي الترجمة الحديثة على الأمثلة اليونانية القديمة، ما دامت الترجمة تقوم على المطابقة دون إسقاطها أو استبدالها، كما فعل المترجم القديم ثم الشارح القديم.
يجوز للمترجم الحديث شرح أساليب النص القديم وعباراته تسهيلا على القارئ الحديث؛ فاللغة متطورة، دون أن يحيل اللغة العربية كلها قديمها وحديثها إلى اللغة الأوروبية المعاصرة، وإيجاد المتقابلات اللفظية؛ فالموقفان الحضاريان القديم والحديث مختلفان، موقف المترجم العربي القديم وموقف المترجم الأوروبي الحديث، الذي أخذه وتبناه المترجم العربي الحديث، خاصة لو تم تعريب المصطلحات اليونانية على الطريقة الأوروبية، مثل حديث المترجم العربي الحديث عن المنهج الجدلي متشدقا بالحداثة، أو الحديث عن الرأي العام شرحا لما يظنه الناس.
106
وترقم الترجمة العربية لقابس الأفلاطوني طبقا للنشرة الغربية للنص اليوناني، وكأن المقصود خدمة النص اليوناني وليس معرفة منطق النقل الحضاري وراء الترجمة العربية، واعتمادا على تعليقات المستشرقين وملاحظاتهم مثل باسيه، وعلى القواميس العربية لمعرفة أصل الكلمات، وكأن النص اليوناني هو الغاية والترجمة العربية الوسيلة، النص اليوناني الأصل، والترجمة العربية هو الفرع. غاية المستشرق الأوروبي والعربي ضبط النص اليوناني؛ فكل زيادة عليه إضافة، وكل نقص فيه حذف، وكل تغيير فيه خلط.
Page inconnue