فلو شاءت الدولة - اليوم - ففي استطاعتها أن توزع الميزانية توزيعا عادلا على جميع اللبنانيين فلا يخلو بيت من نعمة الوظيفة ...
أذكر أنه صدر في زمن الانتداب مرسوم يمنع أن يكون في الجمهورية اللبنانية موظفان درجة قرابتهما ثالثة، وإذا وجد فللحكومة الحق أن تصرف من تشاء منهما، فيا ليت شعري! ماذا يصير لو شئنا تنفيذ هذا المرسوم!
ما أظرف انتقاد الشيخ سعيد تقي الدين لهذه الحالة في رائعته التمثيلية «حفنة ريح». اقرأ أول الصفحة 31 واذكر هذا المسرحي الموهوب بالخير. لقد ندد باحتكار البيوت اللبنانية للوظائف بأسلوبه التهكمي الساخر، فخلق في مسرحيته تلك أمتع الأجواء الفنية الانتقادية.
أنا لا أدعو إلى التدقيق الذي ذكرت، ولكني أرى أن تبدأ الحكومة بالأميين وأشباه الأميين، والذين لا عمل لهم إلا قبض المرتب، وغير المرتب ... وخصوصا الطوال الأيدي الذين التهموا البراني والجواني ... وهكذا يختصر جهاز الموظفين كما اختصر جهاز النواب ويصير توب الدولة مفصلا على القد.
كانت المرأة اللبنانية، حين تعتق شراويل زوجها، تعمل الاثنين أو الثلاثة واحدا، وفي إمكان الحكومة أن تعمل اليوم مثلها وأكثر، فتجعل الأربعة والخمسة واحدا، أما عندها شراويل كثيرة بالية ... وقذرة ريحتها طالعة؟!
28 / 11 / 52
كنت جئت إلى رومية
كثيرا ما تمسي خزائن دوائر الدولة قبورا لمصالح العباد، فلا بعث ولا نشور ولا نفخت فوق رءوس «الأمناء» في بوق رافائيل ...
أعرف «قضايا» عمرت أكثر من زهير وما سئم أصحابها تكاليف الحكومة ... ولكن ما لنا ولهذه فأتفه قضية تقتضي صاحبها عاما وعامين، فينفق ما في كيسه حتى يحصل على لا شيء، ويأسف على حق دفع ثمنه غاليا، نقدا وعدا، وإضاعة شهور وأعوام، وهكذا يترك حقه كل من يؤثر الراحة ويأبى أن يهون، وكيف يطلب ذاك الحق عند من يحجبه ساعات ثم يقول له: ارجع بعد جمعة، ثم عد بعد شهر، ثم وثم ...
إن هذا المسلك ليس من خصائصنا وحدنا، ولكنه وباء انتشر في جميع العصور وما وقي الناس منه إلا قوانين صارمة تسهر على تنفيذها حكومات لا تراعي في المنام خليلا.
Page inconnue