وكان المعقول أن يبقى «جان» حتى يتناول العشاء معهما، ولكنه ضيق الصدر، فهو ينصرف ويترك الزوجين لما بينهما من شأن. •••
فإذا كان الفصل الثاني فنحن في غد ذلك اليوم، وقد دنا الليل أو كاد، والزوجان ينتظران مقدم «جان»، ومقدم الراقص، و«سسيل» مضطربة محزونة تدخن فتسرف في التدخين، وزوجها يحاول أن يتعرف من أمرها فلا يظفر منها بشيء، وهو يعتذر إليها لأنه منصرف عنها إلى علمه ونباته، وهي لا تكاد تسمع له، فإن سمعت فلا تكاد تجيبه، وقد أقبل «جان» فتلقاه الزوج مبتهجا، وتتلقاه الزوجة محزونة مضطربة، فإذا خلا بعضهما إلى بعض كان بينهما حوار كحوار أمس فيه اتهام ودفاع، ثم فيه ما يشبه الاعتراف، ثم فيه ثورة الصديق، ولكن الراقص قد أقبل، فيتلقاه الزوج و«جان» و«سسيل» لقاء مختلفا؛ هذا مبتهج، وهذه مضطربة منكرة، و«جان» يدبر في نفسه أمرا، فأما الراقص نفسه فقد أقبل لا يقدر شيئا، ولا يفكر في شيء، وهو يتكلم ويمضي في كلامه، مثنيا على الزوج مرة، وعلى الزوجة مرة أخرى، وعلى صديقهما مرة ثالثة، وعلى البيت مرة رابعة، حتى إذا فرغ من هذا الحديث الطويل المضحك التفت إليه «جان» وأخذ يذكر حب النساء له، وكلفهن به، والرجل ينكر ذلك في ضعف ورفق، ولكن «جان» يلح ويذكر حظه عند هذه، وحظه عند تلك، ويسرف في هذا، وهو في أثناء الحديث يرقب الراقص مرة، و«سسيل» مرة أخرى، وكل شيء على وجه «سسيل» يثبت اضطرابها وتورطها.
وقد خرج الأستاذ لبعض شأنه، وخلا الثلاثة إلى أنفسهم، فإذا الراقص قد عرف المكيدة، وإذا «سسيل» تطلب إليه أن ينصرف، فيتردد فتلح، وتطرده طردا فينصرف، وقد ثبت كل شيء، ولم يبق شك في أنها قد أثمت معه.
ويعود الأستاذ، فإذا لم ير الراقص سأل أين هو؟ فيقال إنه انصرف، ويتكلف «جان» تأويل هذا الانصراف فلا يحفل الأستاذ بهذا، ولكن جان نفسه يريد أن ينصرف؛ فيدهش الأستاذ لذلك، ويسأل في شيء من الغفلة: «ماذا يحدث؟» فتجيبه امرأته في دعة وهدوء: «يحدث أني قد خنتك.» فيتلقى هذا الخبر في دهش هادئ، ويحاول أن يتبين الأمر، فتتركه امرأته معلنة إليه أن «جان» سيخبره بكل شيء ؛ لأنه كشف كل شيء.
فإذا خلا إلى «جان» لم يتردد هذا في أن يخبره بكل شيء في غضب وحقد وثورة لا يعدلها إلا هدوء الزوج ودعته واطمئنانه، والزوج يرثي لامرأته، ويشفق عليها، ولا يؤثم إلا نفسه، فهو قد انصرف من امرأته إلى العلم، وتركها مهملة لا يحفل بها، فليس غريبا أن تفتتن هذه المرأة، ثم يثور الزوج ولكن لا على امرأته ولا على نفسه، بل على صديقه؛ ذلك لأن صديقه قد سافر وأهمل «سسيل» وتركها وحدها، وكان من الحق عليه أن يبقى معها، وأن يرعاها ويحوطها، فإذا أنكر الصديق عليه هذا القول ولفته إلى أن هذا واجب عليه هو، أجابه: «أنت تعلم أني مشغول بالنبات.»
و«جان» يغريه ويذكي في نفسه نار الحفيظة، ينصح له مرة بالطلاق، وأخرى بمبارزة الراقص، والأستاذ يسمع هذا كله في هدوء وسخرية، ثم يجيب بحديث له قيمته، يمثل ذكاء وفطنة، وبصرا بالأمر، وإذعانا للقضاء، فالأستاذ يعلم حق العلم مصدر هذا الغيظ وهذه الحفيظة، وهو يقدر حب هذا الصديق لامرأته، ولا يتردد في أن يقول له: «إن كنت محفظا فلأنها خانتني مع غيرك لا معك.» بل لا يتردد في أن يقول له: «لوددت لو كنت أنت الآثم، فأنت صديق الأسرة تخفي مساوئها على الناس، وتخفيها علي أنا، فتضعني بمعزل عن هذه الأمور المنكرة التي تنغص علي الحياة، وتصرفني عما أنا فيه من عمل وبحث.»
وتقبل «سسيل» وقد تهيأت للخروج، فإذا سألها زوجها إلى أين تريد أن تذهب؟ أعلنت إليه أنها ذاهبة إلى بيت عمها تنتظر فيه الطلاق، ثم تطلب إليه أن يرافقها إلى هذا البيت، فليس ينبغي أن تخرج وحدها، فيقبل، وبينما هما يتهيئان للخروج تلتفت إلى «جان» قائلة: «لقد أردت المأساة فهذه هي المأساة، ولقد أردت أن تؤلمني فقد ظفرت، ولكن قد آن أن تألم أنت، وستألم كثيرا.» •••
فإذا كان الفصل الثالث فقد مضت سنة على ذلك اليوم، وتغير كل شيء في بيت الأستاذ، وقد تزوج الأستاذ، وقد تزوج الأستاذ من كاتبته ومصورته، ونحن نراها في أول الفصل تنهر الخدم، وتتصرف تصرف السيدة المسيطرة، وتدخل على زوجها فإذا هو منكب على كتبه، فتتحدث إليه في رفق، ولكن في سلطان وتغلب، وهو مذعن مطيع، ولكن على كره.
وهي تطلب إليه الانتقال إلى باريس إذا أقبل الشتاء، فيدافعها قليلا، فتلح، فيستسلم، ثم تعلن إليه أن لديها من العمل ما يمنعها من أن تعينه بالكتابة والتصوير، وأنها ستلتمس له الكاتب والمصور.
ثم يعلن إليها الأستاذ أنه قد وصلت إليه أخبار من «سسيل»؛ فيظهر عليها الحنق والموجدة، وتهم بالنيل من هذه المرأة، فيمنعها الأستاذ من ذلك، وينبئها بأن «سسيل» قادمة الآن لتتفق معه على زيادة الراتب الذي فرضه لها، فتأبى إلا أن تذودها عن البيت، ولكن الأستاذ قد وجد الحل الملائم، فسيأتي «جان» وسيستقبل «سسيل»، وسيتفق معها على كل شيء على حين يخرج الزوجان لبعض شأنهما.
Page inconnue