وشعر كأن روحا خفيا يهمس في نفسه، وشعاعا لطيفا من نور الله ينفذ إلى قلبه، فكأنما قام بينهما حجاب من الوهم يمنعه أن ينفذ إليها ويمنعها.
وأطاف به طائف فأطرق، ثم رفع إليها عينين ونظر ... وانمحت فيه كل معاني «الجنس» لتحل فيه كل معاني «الإنسان». ... ثم فاء إلى نفسه بعد برهة، فسخر من نفسه وراح يقاوم هذا الطارئ الجديد في قلبه ويسكب في كأسها وفي كأسه، وأخذا يشربان ... وانتصف الليل، وصحبته الفتاة إلى غرفته ... فإنها لتعرف أن عليها لصديقها حقا ينبغي أن تتهيأ له، فما يدعوها مثله من رواد البحار إلا لمثل ذلك ... ... ولكنه ... ولكنه في تلك الليلة كان غير من كان، ونام ونامت كما يقتسم الأخوان الفراش ...
ولما قام ليودعها في الصباح إلى الباب، كانت مطرقة برأسها إلى الأرض وفي عينيها دموع!
وتلاقيا من بعد مرات، ودعته إلى زيارة أهلها فلبى، وتوثقت بينهما عقدة الحب على طهر وعفاف.
وذاق توفيق لونا من الحب لم ينعم بمثله فيما فات من أيامه.
وقال لها: «مارتزا! سنفترق يا حبيبتي، وستبحر السفينة بعد أيام لتضرب في مجاهل البحار، فاذكريني، واكتبي إلي كلما تهيأت لك الفرصة!»
وتغرغرت عين الفتاة وقالت: «بربك لا تذكر الفراق! خذني معك، إنني لا أطيق!»
وفكر الفتى قليلا، ثم ذهب إلى الربان يرجوه أن يقبل مارتزا وصيفة في السفينة؛ ولكن السفينة لم تكن في حاجة إلى وصيفة على من فيها، فعاد توفيق إلى صاحبته ينوء بهمه.
وأبحرت السفينة بعد أيام، وراحت مارتزا تودع صاحبها وهي تتجلد، ووقفت على الرصيف تلوح بيدها ويجيبها، ثم صفرت السفينة وراحت تشق الماء، وسقطت الفتاة بين يدي أمها في غشية، وحملوها إلى دارها. وجاء الطبيب، ولكن مارتزا كانت من الصدمة التي نالتها بحيث لا يجدي عليها احتيال الطبيب.
وجلست أمها بجانب فراشها تبكي، ووقف الطبيب حيران، ولم تفق مارتزا من غشيتها.
Page inconnue