وإنما يقظة الحياة في الجهاد والمقاومة، وتوقع ما يأتي به الغد على شتى ألوانه؛ فإذا عدم الجهاد، وفقدت دواعي المقاومة، وعاش الإنسان لساعته التي هو فيها - أعمى أو كالأعمى لا يبصر ما أمام - فقدت الحياة معناها الأسمى، وعاش الناس في هدى أشبه بالضلال، وفي فضيلة شر من الإثم والفسوق والعصيان!
أيها الزاري على القدر، ليتك تدري ...! هل تستوقد النار إلا بالحطب؟ فمن أين لك، ما دمت تشفق على الغصن اليابس والهشيم الجاف؟!
وهل يعلم الفساق والعصاة من بني آدم، أنهم قبل أن يكونوا في أخراهم حطب جهنم، كانوا في دنياهم سلم البشرية إلى مثلها الأعلى ...؟ •••
وتثاءب الشيطان وتمطى إذ أدركه النعاس الذي ضرب على عيون البشر، وإذا هو وقد خضع لناموس البشرية قد ناله ما ينال الناس من الضيق والملل وتقلب الرأي، إذا تقلقلت دنياه طلب الاستقرار، فإذا استقر عاد ينشد الحركة ويتبرم بالسكون ...!
وقلب وجهه في السماء كاسفا محزونا، ثم أسند رأسه إلى راحته، وجلس يتفكر ...
أي خير كان يقدم للجماعة البشرية، على حين كان لا يبغي إلا الكيد والانتقام؟ هذه الدنيا تنام بعد يقظة، وتسكن بعد حركة، وتسترخي بعد نشاط؛ لأنه هو قد بطل سحره، وإذ لم يبق في الدنيا شر، مات في الجماعة روح الانبعاث إلى الخير ...!
وهتف «الشيطان» ذاهلا في حيرة: «يا رب! ما أعجب تدبيرك وأدق حكمتك! خلقت الشر والخير يصطرعان في هذا العالم؛ لتوجد منهما الخير الأعظم، وأنا - أنا عبدك المشئوم - حسبتني يوما أكبر مما أنا، حين ذهبت أهدم ما تبني، وأعصي ما تأمر، وأدعو إلى ما تنهى؛ فلما آذنت أن تذل كبريائي، أريتني نفسي إلى جانب عظمتك، أنا الذي زين له الغرور يوما أنه أكبر من أمرك، فإذا أنا أعصي عصياني في طاعتك، وأفسد إفسادي لإصلاح عبادك، على قدر منك وتدبير حكيم ...»
وشعر إبليس بالخيبة تلاحقه في كل مكان، فلا هو هناك - في عالمه الشيطاني - كان موفقا فيما يحاول من أسباب الانتقام، ولا هو هنا ...
وعاودته نزغة شيطانية، ولكنه لم يلبث أن قمعها في صدره وانطلق في سبيله. •••
وانتهى إلى البستان المعشوشب المخضل وقد نال منه الإعياء، فارتمى على العشب الرطب يستريح في ظل وارفة لفاء، وطلع له من بين ملتف الحدائق حسناء وضاءة، تمشي كما يهتز الغصن، وترنو كما يبتسم الزهر.
Page inconnue