وهاتان شفتان قد أطبقتا على ابتسامة حزينة ليس لها صوت ولا صدى.
وهذا الشعر - ما كان أجمله يوم كان! - قد خطت عليه الليالي سطورا بيضاء في صحيفة مسودة. إن فيها تاريخ جهاد نبيل أربعة عشر عاما بلا ونى ولا كلال. ... لقد بذلت لولديها أغلى ما كانت تملك؛ بذلت المال والشباب، وبرئت من شهوات النفس وأوهام المنى، ونسيت كل شيء مما كانت تطمح إليه، إلا شيئا واحدا، عاشت ما عاشت له، وبذلت ما بذلت من أجله، وخاطرت بما خاطرت في سبيله ... ذانك ولداها العزيزان ... أما واحدة فقد بلغت، وأما الثاني ...
إنها لقريرة العين على ما جاهدت وما بذلت؛ لأنها من الغاية التي تهدف إليها على خطوات. ••• ... وفرغت الأم من صلاتها ودعائها فنهضت متثاقلة إلى صوانها ففتحته فأخرجت منه كسرة جافة فبلتها تحت الحنفية وأخذت تلوكها بين فكيها، ثم صعدت إلى سطح الدار تتشمس ...
وأمسكت عودا من الحطب تهش به على دجاجها وهي تنثر له الحب وفتات الخبز الناشف. إن لها في هذا المكان لسلوة وأنسا، وإنها لتجد من هذه الطيور أسرة تأنس إليها وتتسلى بمرآها، بضع دجاجات وديك، هذا كل ما بقي لها من أنس العشير!
وانحنت على خم الدجاج فأخذت ما فيه من بيض، ثم هبطت الدرج تستند إلى الحائط حتى بلغت غرفتها، فوضعت ما معها من البيض في كيس النخالة وجلست في النافذة ترقب ساعي البريد ...
لقد تعودت أن تتلقى في مثل هذا اليوم من كل أسبوع رسالة من ولدها ...
وجاء ساعي البريد فسلم إليها الرسالة، ففضتها معجلة وقرأت ...
إنه قادم بعد يومين ليراها ...
يا فرحتا! إن لها عيدا من دون الناس.
ووفرت الأم من غدائها لعشائها، وقامت إلى الصوان فأخرجت ثوبها الجديد الذي خاطته منذ عامين، فرتقت ما فيه من فتوق؛ استعدادا ليوم الاستقبال السعيد.
Page inconnue