De la croyance à la révolution (2) : L'Unicité
من العقيدة إلى الثورة (٢): التوحيد
Genres
55
ولقد عرض المتكلمون لشبه الحكماء حول حدوث العالم موردين حججهم لقدمه بحيث يصعب الرد عليها وتفنيدها، وهي حجج منطقية وميتافيزيقية وحسية واضحة وقوية يسهل اقتناع الإنسان بها، فلو كان العالم محدثا لاحتاج إلى محدث، وهذا إلى محدث، إلى ما لا نهاية، وهو محال. ولو كان محدثا لوجب أن يكون لفاعله غرض وحاجة، جلب نفع أو دفع ضرر، وهو محال أيضا على «الله». ولو كان محدثا لاستحال وجوبه إما إلى المقدور أو القادر، وكلاهما محال، وإلا لما وجد المقدور ولعجز القادر. ولو كان محدثا لوجب كون القديم غير عالم بوجوده، وهذا مما يوجب التغير في العلم، وإن كان علمه قديما وجب قدم العالم. كما أنه لا توجد دجاجة إلا من بيضة ولا بيضة إلا من دجاجة، وهكذا أبدا، وهذا يوجب قدم العالم.
56
وهي حجج تعتمد على استحالة التسلسل إلى ما لا نهاية، وإلى دور أن العلة والمعلول دون ما حاجة إلى علة أولى أو معلول أول، وإلى العلم والقدرة والاستغناء. وهناك حجج أخرى تعتمد على قدم الزمان وقدم المادة والتجانس بين العلة والمعلول. فإذا كان المحدث يعني التأخر، فإن ذلك قد يكون بلا مدة، وبالتالي لن يكون قديما أو بمدة متناهية وجب تناهي القديم أو بمدة لا متناهية فوجب قدم العالم، كما أن كل حادث يسبق إمكان عدم والإمكان أحد أنماط الوجود، وهو لا يتصور إلا في مادة والمادة لا تتصور إلا في زمان ويستحيل التسلسل، وبالتالي لزم الانتهاء إلى موجود واجب بذاته هو العالم، وهي الشبهة التي من أجلها جعل المعتزلة المعدوم شيئا. كما أن ما يثبت جوازه يثبت وجوبه، ولا يثبت سبب حادث إلا لأمر حادث مثله.
57
وقد تأخذ الحجج طابعا إنسانيا خالصا مثل صفات الجود والإحسان والكرم التي للقديم مما يدل على فيض عواطف الإيمان على منطق العقل وأحكام الاستدلال. فالإيجاد إحسان والامتناع عن الإحسان نقصان. وقد تنكر حجج استحالة التسلسل إلى ما لا نهاية أو ضرورة التجانس بين العلة والمعلول بصور عديدة. مثلا لو كان القديم في الأزل موجودا ثم صار موجدا، فصفة الموجودية محدثة وبالتالي تفتقر إلى موجد آخر وهو محال، وإن كانت أزلية لزم أن تكون الموجودات أزلية لاستحالة انفصال المعلول عن العلة. كما أن ذات الباري إما أن تكون متقدمة على وجود العالم والتقدم متناه فيلزم حدوث الباري وإن كان التقدم غير متناه يكون الزمان قديما، وإن لم تكن متقدمة لزم حدوث الباري وهو محال أو قدم العالم.
58
وقد يشارك في هذه الحجج بعض القدماء الذين ينتسبون إلى حضارة أخرى ثم أصبحوا رافدا في الحضارة خاصة في علوم الحكمة. وذلك مثل حجة الجود والكرم، أو أن الصانع لا يزال كذلك إما بالفعل، وبالتالي يكون المعلول مثله أو بالقوة فيحتاج إلى إخراج وتغير، وهو مستحيل على القديم. وذلك أيضا أن العلة من جهة الذات لا يجوز عليها الانتقال كما لا يجوز على المعلول، وبالتالي يصبح كلاهما قديما.
59
ولم يجد الفقهاء حرجا في عرض شبهات الحكماء والاستشهاد عليها بالحس والمشاهدة طبقا لنظرتهم الحسية للعالم. فلم يشاهد إلا حدوث شيء من شيء، ولم يشاهد أحد خروج شيء من لا شيء إلا بفعل ساحر. كما أن المحدث إما أحدث لأنه كذلك وبالتالي يكون الحدث مثله أو أحدث لعلة، والمعلول لا يفارق العلة. وإن كان للأجسام محدث فلا يخلو الأمر من أوجه ثلاثة، إما أن يكون مثلها من جميع الوجوه، وهذا يعني قدمها، أو أن يكون مثلها من وجه وخلافها من وجه، وهذا أيضا لا ينفي القدم، أو أن يكون خلافها من جميع الوجوه وهو محال. والإحداث قد يحدث للحاجة أو لجلب نفع ودفع ضرر، وهو مستحيل على القديم أو تحدث لأشياء بالطباع التي لا يفترق فيها العلة والمعلول. كما أن الأجسام لو كانت محدثة لكان محدثها قبل أن يحدثها فاعلا لتركها وهذا يوجب قدمها أجساما وأعراضا.
Page inconnue