De la croyance à la révolution (4) : La prophétie – La rétribution
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Genres
أما ظواهر النبات فتتمايز فيما بينها؛ بين الصوت، مثل تسبيح العنب والرمان؛ وبين الحركة أي الصورة، مثل حنين الجذع، ومجيء الشجرة في صورة هادئة، أو انقلاعها في صورة عنيفة.
15
فقد يسبح العنب والرمان بمجرد أن يحضره جبريل في طبق أمام الرسول تعرفا عليه. وفي حنين الجذع قد يزداد تفصيل اليابس؛ حتى يظهر التناقض بين الحنين واليبس؛ فالحنين يحتاج إلى رطوبة وحياة وهو طبيعي، في حين أن حنين اليابس إيقاع تناقض بين الحنان واليبس؛ أي بين الحياة والموت. وقد يزداد الحنين بالجذع حتى يلتزم؛ أي يطوي نفسه على الرسول، ويكور نفسه حوله ملتزما بتعرفه على النبي!
وقد يكون الحنين بحضور الجميع؛ أي بحضور الشهود؛ حتى يزداد الأمر تصديقا ويتجاوز نقد خداع الحواس لفرد واحد. وقد يحن الجذع في واقعة خاصة في النبوة، ليس فقط النبوة العامة، بل إحدى لحظاتها في الخطبة؛ فقد كان الجذع منبرا قبل بناء المنبر، ولم يشأ أن يستغيى عن الرسول، فعاود الحنين إليه ومال عليه، ولم يترك الرسول حتى طيب الرسول خاطره، فعاد واستقام الجذع! وقد يضم الصوت إلى الصورة، فيتكلم الجذع، ويئن وهو يحن ويسمع الحاضرون كلامه. أما بالنسبة لحركة النبات فقد تجيء الشجرة بأمره وترجع بأمره إلى مغرسها، على عكس الإنسان العاصي الذي لا يأتمر بأمر الرسول. فللرسول قدرة على تحريك مظاهر الطبيعة وتحريك النبات. قد توصف الحركة فقط في صيغة مختصرة، مثل مجيء الشجرة، وقد تفصل الحركة بالعلة الفاعلة وهو الأمر، كما يفصل مسار الحركة ذهابا وإيابا؛ إلى مغرسها إيابا، ومن مقلعها إيابا. وقد توضع الواقعة كلها في قصة وحوار؛ طلب أعرابي دليلا على النبوة واستجابة النبي لذلك بإجراء الواقعة. وقد حاول المعاصرون تفسير ذلك علميا عن طريق قوانين الهواء، ودفع الريح للجذع، ومن خلال الثقوب، فيتحرك وتحدث الصوت، أو بقانون الميل والعودة إلى المكان الطبيعي، كما يفسر إجابة الشجرة له بقانون الجاذبية. وهذا يحيل المعجزة إلى حوادث طبيعية لا تخرق قوانين الطبيعة، بل تتفق معها، ولكنها تجعل العلم هو الأساس؛ وبالتالي لا تصبح المعجزات دليلا على صدق النبوة أو وقوعها. (5)
أما ظواهر الحيوان فهي أكثر بكثير من ظواهر الفلك أو الطبيعة أو الجماد أو النبات؛ نظرا لأهمية الحيوان في البيئة الصحراوية، طعاما وركوبا ودفاعا. وتتفاوت ظواهر الحياة بين الصوت، أي الكلام والمكالمة والنطق والإنطاق والشكوى والشهادة والخطاب والسلام والتكليم؛ وبين الصورة، أي الحركة كالمجيء والذهاب أو حدوث تغير غير متوقع في وظائف الحيوان. فمن معجزاته إنطاق العجماء أو نطق العجماء أو نطق البهائم؛ فالنطق فعل طبيعي من الشيء في حين أن الإنطاق بعلة فاعلة خارجية، وهي أقوى من الحالة الأولى، والأمر كذلك في مكالمة الأعجم أو كلام الحيوان الأعجم؛ الثانية فعل طبيعي في حين أن الأولى لها علة فاعلية خارجية. وتحت هذا العنوان العام يدخل كثير من الوقائع التفصيلية التي قد تقل أو تكثر، ومثال هذا كلام الذئب أو مكالمة الذئب؛ فالأول للشيء والثاني للفاعل، أو إنطاق الله للذئب للإخبار عن النبوة أو شهادة الذئب له بالنبوة. وقد تأتي الصورة مع الصوت، فتصبح الواقعة كلام الذئب ومجيئه، أو بالحركة فقط، فتصبح مجيء الذئب. وقد تتضح الغاية من الكلام؛ فلا يكون مجرد قول بل شهادة؛ أي قول حق بطريقة علنية أمام الأشهاد. وقد تتغير الواقعة ودلالتها والهدف منها؛ فبدل أن يكون كلام الذئب للشهادة على النبوة تكون للاعتراف بأخذ شاة، في حين أن الخلق لا تعترف بنبوة محمد. وقد يأخذ الكلام صيغة إنشائية بدلا من الصيغة الإخبارية؛ تعبيرا عن الجانب الوجداني في الموقف، فيصبح نموذج كلام الحيوان هي شكاية الناقة، شكوى البعير، شكوى البعير له بالتخصيص. وقد يتحول الأمر من الشكاية إلى شهادة بالبراءة، فتشهد الناقة ببراءة صاحبها من السرقة، أو إلى الكشف عن الشفقة والرحمة بالحيوان من الظبية التي ربطها الأعرابي، فسألت الرسول الإطلاق حتى ترضع وليدها وضمنت الرجوع، فأطلقها ورجعت وهي تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله أكثر مما يشهد الحكماء ببراهينهم ويثبتون بأدلتهم! وقد تكون صيغة الكلام ليس مع الذئب أو الناقة أو الظبية، بل مع الغزالة التي تسلم وتتعرف عليه. أما تغيير الوظائف العضوية للحيوان فمثل درور الضرع من الشاة اليابسة الجرباء التي لا لبن لها مرارا، ومثل أكل الأرضة كل ما في الصحيفة المكتوبة على الأشخاص؛ بني هاشم وبني عبد المطلب، حاشا أسماء الله؛ أسوة بما كان متبعا في اليهودية المحافظة من تحريم مسح أو رمي أو وطء أو إتلاف أي صحيفة عليها اسم الله، بل يجب حينئذ لفها في باطن الأرض؛ فأسماء الله لا تمحى!
16
كما أن لذلك أنماطا سابقة في تاريخ اليهود عند أنبياء بني إسرائيل في كلام سليمان للهدهد، وحديث المسيح في المهد صبيا. ولقد حاول المعاصرون إيجاد تفسير علمي لذلك استشهادا بالببغاء، ولكن الببغاء لا يفهم كما فهم الذئب والبعير والناقة والغزالة والظبية. (6)
أما ظواهر الطعام والصحة، أي ما يتعلق بالبدن، فيأتي في المقدمة كلام الذراع أو تكليم الذراع؛ الصيغة الأولى تصف الفعل والثانية تصف الفعل مع الفاعل. وأحيانا تتفصل الصيغة ويأتي سبب الكلام، فتصبح كلام الذراع المسمومة. ولما كان هذا الكلام شهادة على النفس فقد تصبح الصيغة شهادة الشاة المسمومة. وقد تتحول الواقعة إلى قصة بها حوار مباشر، مع تعليل لسبب الحديث، وهو خلق الله في الذراع كلاما، وقول الذراع للرسول: «لا تأكلني إني مسمومة.» وقد تنقل بعد صيغ ظواهر الجماد، مثل تسبيح الحصى، فتصبح تسبيح الطعام من أجل تقابل بين الطعام المسموم والطعام الطيب؛ الأول ينبه على الشر والثاني يسبح بالخير. وإذا ما عرفنا أن الدعوة كانت موجهة من يهودي، فإن هذه الواقعة بصيغتها المختلفة إنما تدل على العناية بالنبي وحفظه من عداء اليهود له. أما الواقعة الثانية، تكثير الطعام، فلها صياغات عدة تختلف فيما بينها من البداية أو الوسط أو النهاية؛ فقد تكون البداية مجرد وصف لواقعة مادية وأنها حادثة مثل جعل الطعام كثيرا؛ وقد يقرب الواقعة درجة من الخيال، فتصبح تكثير الطعام القليل؛ وقد يزاد عليها العلة الفاعلة، فتصبح تكثير الطعام القليل ببركته ودعائه؛ وقد تزاد الدلالة وتتحول من الواقعة المادية إلى الواقعة الإنسانية، وتتحول البداية من الجعل والتكثير إلى الإطعام والإشباع، فتصبح الصيغة إطعام الرسول المئين والعشرات من صاع شعيرة مرة بعد مرة، مع زيادة تحديد كمي للطعام ولعدد الناس ولمدة الزمان؛ تقوية للدلالة وإثارة للانتباه. وكذلك إطعامه النفر الكثير من طعام يسير قرارا بحضرة المجموع حتى يزاد الشهود، وتتحول الواقعة من إدراك فردي قد يقع في خداع الحواس إلى إدراك جماعي ورؤية موضوعية. وتصل الدلالة إلى أقصاها عندما تصبح الصيغة إشباع الخلق الكثير من الطعام القليل، أو إشباع الخلق الكثير من الطعام اليسير. وربما تزداد الصيغة وتتضخم على نحو إنشائي بالترادف؛ لإحداث مزيد من الأثر على الناس، فتصبح إشباع العدد الكبير والجم الغفير من الطعام اليسير. وللواقعة نمط قديم في تاريخ الأديان في تكثير المسيح للطعام، وإطعامه الخلق الكثير من طعام قليل، وشرب الخلق الكثير من الماء القليل ببركته ودعائه مع تحديد كمي للطعام بسمكتين وللشراب بقربتين، وفاض من الطعام والماء ما يكفي لخلق أكثر. ومما لا شك فيه أن حضور جمع غفير بحضرة القائد أو الزعيم يجعل أحوالهم النفسية في غاية التواتر، وعواطفهم في غاية الحدة، بحيث يفقدون الإحساس بالجوع والشبع والعطش والروي من الناحية العضوية. ويكفي أقل القليل من الطعام والماء لسد جوعهم وعطشهم ما دامت النفس في هذه الحالة من التوتر والعواطف في هذه الدرجة من الحدة. وهي تجربة نفسية إنسانية، يشعر بها عامة الناس من لقاء الأمهات للأبناء بعد طول غياب، ولقاء المحبين بعد طول هجران، ولقاء الصوفية بالله بعد مخاطر الطريق. أما الواقعة الثالثة فتتعلق بالأمراض العضوية، مثل إزالة الضر من الأمراض. وقد تزاد على ذلك العلة الفاعلة المادية المباشرة مثل لمس اليد، فتصبح شفاء الأمراض العضال بمجرد لمسة؛ أو العلة المعنوية غير المباشرة مثل الدعاء، فتصبح شفاء الأمراض العضال على يده بمجرد لمسه لأصحابها أو دعائه لهم. وقد يزداد التفصيل باسم الرحمة والمريض وحضور الشهود ومدة الشفاء، فتصبح الواقعة إبراء عيني علي من الرمد بحضرة الجماعات في ساعة. وقد يشتد الخيال بوقائع الصحة والمرض، ويصبح استبدال الأعضاء والأطراف، ابتداء من رد عين أحد أصحابه بعدما قلعت فعادت أحسن مما كانت، حتى إحياء الميت بمجرد دعائه.
17
ولهذه الوقائع أنماط سابقة في تاريخ حياة المسيح من إبراء الأكمه والأبرص وإحياء الموتى، مع أن البيئة العربية لم تكن بيئة طب ودواء؛ مما يدل على تغلب النمط القديم أحيانا على البيئة، كما تتغلب البيئة أحيانا فتفرض وقائعها، كما هو الحال في ظواهر الحيوان. ويحاول بعض المعاصرين تفسير ذلك علميا عن طريق الإشارة إلى قوانين الطب وزرع الأعضاء في الأجسام، خاصة إذا كانت من نفس الأجسام. فإذا كان ذلك صحيحا تظل المعجزة خداعا؛ لأنها توهم الناس بأنها خرق لقوانين الطبيعة مع أنها حادثة طبيعية تتم وفق قانون طبيعي نجهله، ولكن بتقدم العلم يمكن فهمه؛ وبالتالي يبقى الناس في الجهل، ويرسى إيمانهم على الخداع. فإذا ما تعلم الناس اهتزت قواعد الإيمان، وتحولوا من الإيمان بالعقائد والأنبياء إلى الإيمان بالعلم والعلماء، ويكون الفضل لاكتشاف الحقائق للعلم، ويصبح العلم ضد الإيمان تضاد الحقيقة للوهم، ويتحول الإيمان بالمطلق إلى إيمان بالنسبي، خاصة إذا ما تغير العلم وتغيرت اكتشافاته، ويصبح الدين مجرد متسلق على العلم مبررا لوجوده من خلاله. وما دام وقع الدين في التبرير فلا فرق بعد ذلك أن يقع في تبرير العلم أو تبرير السياسة، وما دام يستمد وجوده من غيره فلا فرق بعد ذلك أن يستمد وجوده من رجال العلم بعد أن يصبح رجال الدين هم رجال العلم أو من رجال السياسة، وقد يتآزر الفريقان وتتحدد السلطة الدينية مع السلطة السياسية في مواجهة حقائق الإيمان التي هي حقائق المجتمع وأوضاعه الحالية. (7)
Page inconnue