De la croyance à la révolution (4) : La prophétie – La rétribution
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Genres
33
وبالرغم من أن القول بالبداء نشأ في ظرف تاريخي معين، كتبرير لحدوث شيء غير متوقع، وبالتالي يمكن رده إليه، إلا أن رد الأفكار إلى مجرد الوقائع التاريخية وقوع في النزعة التاريخية الخالصة؛ لذلك يظل البداء دلالة نظرية لتجربة شعورية.
34
إن النسخ أمر وضعي يتعلق بالشريعة والقدرة الإنسانية، وليس بالعلم والإرادة الإلهية، فتوالي النصوص في الزمان يجعل بعضها ناسخا وبعضها منسوخا؛ لذلك يكون من عيوب منهج النص استعمال المنسوخ بدل الناسخ، سواء داخل كل مرحلة، أو داخل آخر مرحلة يكتمل فيها الوحي. ويعني النسخ بهذا المعنى تطور الوحي في الزمان وبيان مدة العبادة؛ فالعبادة تتم في الزمان، والزمان وقت، والوقت تطور، والتطور تاريخ، ولا يهم بعد ذلك رفع الحكم أو عدم رفعه؛ فالمهم هو بيان وقته. وسواء كان ذلك رفعا أم غير رفع؛ فذلك خارج عن نطاق الحكم؛ لذلك كان من شروط النسخ انفصال الناسخ عن المنسوخ بمدة من الوقت. فالزمان هو الأساس «الأنطولوجي» للنسخ، وكأن الإنسان يحدث في حياة الإنسان، فهو تطور في الزمان الوجودي وليس في التاريخ، فالغاية من تطور الوحي في التاريخ هو تطور الشعور وارتقاؤه نحو الكمال، وكأن الناسخ أقوى من المنسوخ، وتتحدد قوته بمدى احتوائه العلم والعمل على السواء، ولكن يتم النسخ بالفعل في العمل وليس في النظر. لا يوجد نسخ للعلم النظري، بل في كيفية التطبيق العملي، وإن تغير الأساس النظري للسلوك ليس نسخا، بل تغير له من حيث الامتداد والاحتواء.
35
والنسخ أمر لا يتعلق بالتلاوة، بل يتعلق بالأحكام وبالسلوك البشري؛ فالنص مع أنه عمل أدبي يتذوق بالتلاوة، إلا أن النصوص كلها أدب على هذا النحو، لا فضل لنص على نص من الناحية الجمالية، ولكن نص الوحي جمال وتشريع، تذوق وسلوك، كما لا يعني النسخ تغيير الفكر المسجل في لوح أبدي، فتلك صورة فنية الغاية منها إثبات تدوين العلم؛ فالعلم المدون أكثر حفظا من العلم المروي شفاها، أو المحفوظ في الذاكرة، أو المتصور في الذهن ؛ لذلك قامت المعاملات على التدوين في وثائق، ودونت العهود والمواثيق، وكان حظ الكتب المقدسة التي لم تدون ساعة إعلانها، أقل بكثير من ناحية الصحة التاريخية من الكتب المقدسة الأخرى التي دونت ساعة تبليغها. فأم الكتاب أو اللوح المحفوظ صورتان فنيتان للتدوين، وتشخيصان للوحي، وتشبيهان له.
36
وقد يقع النسخ في حكم كلي أو في حكم جزئي؛ طبقا لحاجة التغير ومقدار التكيف مع الواقع؛ فلو كانت الحاجة جذرية والتكيف أساسيا حدث النسخ الكلي، أما لو كانت الحاجة ضئيلة والتكيف صغيرا كان النسخ جزئيا.
37
فالنسخ رفع، وليس تبديلا، كي يأتي حكم آخر خير من الأول، من حيث النفع أو مثله من حيث الكمال، ولكن هل يجوز النسخ في الأخبار كما هو جائز في الأحكام؟ إذا احتوى الخبر على تصور نظري فالنسخ لا يتعلق بالتصورات، فالمبادئ العامة التي يقوم عليها الوحي ثابتة لا تتغير، وإنما التغير في كيفية تطبيق هذه المبادئ في الزمان والمكان، حسب درجة استعداد الواقع، وطبقا لدرجة تحمل الطاقة الإنسانية، أما إذا احتوى الخبر أحكاما فإن النسخ يقع فيها. والنسخ لا يعني البداء؛ أي تغير العلم الثابت أو وقوع الخطأ فيه، بقدر ما يعني تكييف الحكم حسب الواقع، والوحي حسب التطور؛ من أجل تثبيت الشريعة، والمحافظة على التقدم الذي أحرزه الشعور الإنساني بفعل الوحي ودفعاته الأولى.
Page inconnue