De la croyance à la révolution (4) : La prophétie – La rétribution
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Genres
11
بالإضافة إلى هذه الفوائد العامة للبعثة التي تجعلها ضرورية واجبة، هل هناك فوائد أخرى لها على التفصيل؟ هنا تظهر العبادات على أنها الدافع الأول على ضرورة البعثة، والتي لا يستطيع العقل أو الواقع الوصول إليها، ولماذا تكون العبادات ضد العقل والطبيعة ومفروضة عليهما دون أن تكون تعبيرا عنهما؟ وهل العقل عادة والشرع عبادة والعادة لا تكون عبادة؟ إن وضع العقل في مقابل العبادة يجعل العبادة لا عقلية غير مفهومة وغير معللة بحكمة مع أن العلة أساس التشريع يمكن إدراكها بالعقل والتجريب، ولا توجد عبادة واحدة، وكل ملة تعبد بشعائرها، وترى فيها أنسب تعبير عن إيمانها وعقائدها، وإذا كان العمل عبادة فإن العقل قادر على أن يصل إليه دون أشكال ورموز وصور لا تعبر عن جوهر الإيمان وقصد العقيدة.
12
كيف تثبت النبوة إذن كضرورة نظرية وعملية على حساب العقل من أجل هدمه، وإرادة الإنسان من أجل إعلان عجزه، ودونما حاجة إلى القدرات البشرية وعلومها وصناعاتها وسياساتها وشرائعها؟ إن الوحي علم مستقل بذاته يستنبطه الإنسان ويضع قواعده وأصوله، لا هو بعلوم الدين ولا هو بعلوم الدنيا، هو علم المبادئ الأولى التي تقوم عليها العلوم جميعا، وهي مبادئ عقلية وطبيعية، شعورية ووجودية في آن واحد.
13
وإن كل ما يمكن التوجه به ضد العقل الإنساني والقدرة البشرية، يمكن التوجه به أيضا إلى تفسير النبوة وتأويل الوحي الذي يقوم به عقل الإنسان، وتظهر فيه مصالحه ويفرض فيها إرادته، وهل سلم الإيمان من التعصب والجهل؟ أليست القوانين المستنبطة من الشرائع النبوية تتدخل فيها الأهواء الفردية والمصالح الاجتماعية المتضاربة حين تطبيقها؛ وبالتالي يقضي على حسنها في ذاتها؟ إن الشهرة والغفلة والنسيان وكل مظاهر النقص الإنساني تعم العقل، سواء عمل بمفرده أم فسر النبوة وأول الوحي، وهل استطاعت النبوة أن تخفف من نقائص الإنسان وهي أول من يعترف بها؟
14
حتى أمور المعاد التي قد تكون أحد بواعث وجوب النبوة، فإن العقل قادر على أن يصل إليها، وقد توصلت مجتمعات بأكملها إلى خلود النفس دون نبوة، كما أن العقل قادر على أن يصل بمفرده إلى قانون الاستحقاق، وأن الجزاء على قدر الأعمال، عقابا أم ثوابا ؛ فلا يوجد فعل إلا وله أثر، ولا يوجد أثر إلا في العالم، سواء كان في الحال أو في المآل، مباشرا أو غير مباشر.
15
وكيف يكون الإحساس بالقلة والقهر أساسا لوجود الوحي وضرورته؟ ألا يثبت الوحي إلا بقهر الإنسان وإحساسه بالضآلة والعجز أمام قوة عظمى تعرف أفضل منه وتقدر على ما لا يقدر عليه؟ وهل استطاعت النبوة أن تمنع الإنسان من أن يعمل عقله أو يمارس حريته أو أن تجعله أكثر عقلانية وأعظم قدرة؟ فالنبوة لم تمنع الإنسان من إنكار وجود الله، أو إنكار النبوة، أو عدم التصديق بالمعجزات، أو إنكار الشرائع ورفضها بناء على القبح العقلي والضرر المادي، أو إهمال التطبيق والاكتفاء بالجانب النظري كما هو حال البشر الآن، أو إسقاط فاعلية الجانب الأخروي والتخويف بالوعد والوعيد، أو نشوب القتال والفتن والحروب الطائفية التي لا تقل عن الحروب العلمانية.
Page inconnue