De la croyance à la révolution (4) : La prophétie – La rétribution
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Genres
وبأي مداد تكتب؟ وبأية لغة تعبر؟ وهل يمكن بضخامة أصبعها الكتابة على هذه المساحة الصغيرة؟ وتكلم الناس ببطلان الأديان إلا دين الحق، وكأن دين الحق قادر على مقاومة التحريف والتبديل والتغيير، وتصدر أحكاما بالإيمان والكفر على الناس وكأنها على علم بهم، وكأنها مزيج من الشر والخير. تخرج من أعظم المساجد حرمة وهو المسجد الحرام؛ مما قد يمنعها من الحديث ببطلان الأديان. وقد يعني ذلك اكتمال الأديان كلها، ونهاية النبوة في الإسلام؛ فبطلان الأديان إنما يعني ارتباطها بمراحل سابقة في الزمان والمكان. الدابة إذن عالمة تعرف الكتابة والكلام باستعمال حروف من نور وظلمة، تكتب بالأبيض للمؤمن، وبالأسود للكافر. وكيف تعرف الدابة من المؤمن ومن الكافر قبل يوم الحساب؟ وهي بهذا المعنى أشبه بالملكين منكر ونكير، بنعيم المؤمن أو بعذابه في القبر قبل اليوم الآخر. يتضح من ذلك كله أثر الخيال الشعبي في وضع الرواية في بيئة صحراوية؛ فالدابة تتكلم وليس الإنسان الشرير أو الشيطان؛ نظرا لأهمية الدابة في حياة البدو. وهي ذات قوائم كدليل على البهيمية والحيوانية. وما فائدة الزغب والريش وحر الصحراء لا يتحمل ذلك، ولا فائدة منه إلا أن يقي الحيوان من زمهرير الشتاء، ووبر الجمل قصير، اللهم إلا إذا كان ذلك تعبيرا عن العظمة والرخاء؟ وكيف يتكلم الحيوان ببطلان الأديان؟ وهل يعلن عن ذلك الحيوان؟ وكيف يتم الإعلان عن شرف الموضوع بأخس الوسائل؟ وهل الحيوان قادر على التمييز بين الأديان الباطلة ودين الحق؟ وهل هو حيوان عاقل؟ كما يظهر أحيانا بعض التناقض في الاجتماع في شيء واحد الخير والشر معا؛ إذ يخرج الحيوان رأسه من الصفا، وهو مكان مقدس، فتبطل الأديان من مهبط الأديان! ولماذا يطوف عيسى بالبيت، وليس محمدا وهو أولى بالطواف؟
14
ولماذا لا يطوف إبراهيم وإسماعيل وهما اللذان رفعا القواعد من البيت؟ وكما تظهر المبالغة تبعا لقدرة الخيال الشعبي، فيتصدع الجبل من خروج الدابة، وتجري الفرس ثلاثة أيام وما خرج ثلثها، وكأن في الثلثين الباقيين لا توجد قوائم. فإن وجدت، فكيف تجري الفرس على قوائم أقل؟ وقد لا يستطيع تحمل مثل هذا الجسد الضخم أربع قوائم وحدها، ولا أقل من مئات من الأقدام. وقد تتناقض العلامة مع نفسها أو مع غيرها؛ إذ كيف تخرج الدابة والناس تطوف بالبيت، والأنبياء تقوم بمناسك الحج، وفي الوقت نفسه تكون علامة أخرى، وهو ألا يوجد على الأرض مؤمن واحد؟ (2) خرق قوانين الطبيعة
وبعد علامات الصراع بين الخير والشر، وهي علامات إنسانية خالصة تتعلق بالإنسان والحيوان، بالأفراد والجماعات، بالأبطال والشعوب، تأتي علامة واحدة أخرى تشير إلى اضطراب قوانين الطبيعة، وتوقف اطرادها وجريانها وفقا للعادة؛ فتشرق الشمس من المغرب، وتغرب من الشرق. تخرق قوانين الطبيعة، وتنتهي إمكانية الحياة في عالم لا يحكمه قانون، ولكن هذا الاضطراب مؤقت وليس دائما؛ إذ لا يستمر أكثر من ثلاثة أيام طبقا لروايات الإنجيل، ثم تصعد الشمس إلى وسط السماء دليلا على العظمة والارتفاع والحد الفاصل بين الفوضى والنظام، حيث لا ميل ولا انحراف شرقا أم غربا، ثم يسود القانون الطبيعي من جديد ويطرد جريانه، فتشرق الشمس من المشرق وتغرب من المغرب؛ تغليبا للنظام على الفوضى، وللقانون على الاستثناء. ويوجد لذلك نموذج سابق في التوراة، وهو وقوف الشمس ليوشع. فالخيال الشعبي ينسج تصوراته طبقا لنماذج سابقة في تاريخ الأديان، النصرانية واليهودية خاصة كأديان منافسة في الجزيرة العربية. فإذا ظهر المسيح في العلامات الأربع في الصراع بين الخير والشر، يظهر يوشع في خرق قوانين الطبيعة؛ وبالتالي لا يكون المسلمون أقل من النصارى واليهود في تصور أمور المعاد. وكما عاب أهل الكتاب على محمد عدم معرفته بأقاصيص الأولين، وأرسل الله له أحسن القصص، فكذلك نسج الرواة خيالات المعاد وعلامات الساعة؛ حتى لا يكونوا أقل من أهل الكتاب. فإذا ما تحدث القصص عن الماضي وعن التاريخ، فإن علامات الساعة تتحدث عن المستقبل. وإذا كان الماضي تذكرة وعظة وعبرة، فإن المستقبل تخطيط وإعداد ورؤية، وكلاهما بعدان لوعي تاريخي واحد. وقد يكون الغرض من هذا الاضطراب في سير قوانين الطبيعة واطرادها هو تنبيه الإنسان على نهاية الزمان وانتهاء التكليف؛ وبالتالي إعطاؤه إمكانية قصوى للتوبة وتعديل السلوك والتنبه إلى الفعل. فالتوبة تحدث في الزمان، وعلامة الساعة إنما تحدث في الزمان؛ فالساعة هي الزمان أو لحظته القصوى والأخيرة، فالعلامة هي التنبيه للإنسان لأن يلحق بالزمان قبل أن يمضي وينقضي. قد تكون التوبة خاصة بالمؤمن العاصي وحده دون الكافر، وقد تغلق على الكافر وحده. والأقرب أن تكون للمكلف عامة العاقل البالغ بصرف النظر عن وضعه؛ حتى يعطى الأمل للجميع. ومنذ عودة النظام إلى يوم القيامة لا تقبل التوبة، وكأن الزمان قد استهلك، والحياة قد استنفدت، ولم يعد هناك أمل في التغيير. فإذا ما اعترض العقل على كل ذلك، فما أسهل اللجوء إلى القدرة الإلهية الشاملة؛ وبالتالي إرجاع السمعيات إلى أحد الاختيارات في العقليات.
15 (3) انتهاء التكليف
وهناك علامات أخرى تدل على انتهاء التكليف ونهاية الزمان، منها ظهور المهدي، وقد دخلت في صراع الخير والشر مع ظهور المسيح عيسى ابن مريم. ومنها الدخان الذي يصيب الكافر حتى يصبح كالسكران الذي يفقد وعيه وتوازنه، ويصيب المؤمن منه كهيئة الزكام؛ وذلك لأن له بعض الأعمال السيئة. ويمكث الدخان في الأرض أربعين يوما يخرج من أنف الكافر وعينيه ودبره من كثرته فيه، ولا يخرج من المؤمن من أية فتحة فيه لقلته عنده! وكيف يميز الدخان بين المؤمن والكافر؟ وكيف لا يصيب الدخان المنتشر في الهواء المؤمن والكافر بلا تمييز، نظرا لحمل الهواء له وعدم القدرة على السيطرة على التيار، خاصة إذا مكث المؤمن والكافر في المكان نفسه وفي مواجهة التيار نفسه؟ وقد يكون الكافر سكيرا يحب السكر فيلتذ به. ولماذا يصيب المؤمن القليل منه وهو مؤمن تائب؟ أليس الزكام في نهاية الأمر مرضا يبرأ منه الإنسان؟ ولماذا تحديد الزمان بأربعين يوما إلا إذا كان العدد الأربعون ما زال رمزا للموت والحياة كما هو في الدين المصري القديم وفي الدين الشعبي الآن؟ وقد تعني العلامة، رجوع أهل الأرض كله كفارا، نهاية الإيمان، وانتهاء إمكانية الفعل والتحقق، وسيادة اليأس التام والتشاؤم المطلق. فالزمان تغير وحركة وصراع ونصر وغلبة، وما دام الأمل قد انتهى ينتهي الزمان بدوره. وقد تكون العلامة خراب الكعبة على يد الحبشة بعد موت عيسى؛ فالكعبة رمز للإيمان، وخرابها على يد الحبشة إسقاط الماضي على المستقبل، ومد عام الفيل إلى نهاية الزمان كنوع من هم الماضي وتحوله إلى هاجس في المستقبل. ويظهر عيسى من جديد حيا مقارنا بالكعبة، مع أن إبراهيم أو إسماعيل أو محمدا أولى بالقرآن. وقد تكون العلامة رفع القرآن من المصاحف والصدور أيضا بعد موت عيسى. وبطبيعة الحال لا يعني ذلك رفع المداد من الورق؛ فالقرآن ليس حروفا بالمداد على ورق وصحائف، إنما يعني رفعه من الصدور، ونسيان المؤمنين له، وضياعه منهم، وعدم العمل به؛ وبالتالي انتهاء الوحي عن كونه موجها للعالم ومطابقا للطبيعة. ولا يستطيع البشر أن يعيش بلا علم أو عمل. وكيف يقضي الناس أمام الله يوم القيامة بلا حجة من القرآن إذا ما رفع من الصدور، خاصة وأن من حفظ القرآن طبقا لإحدى الروايات لا يمس جسده النار شفاعة له، ولا يحرق مع حافظه؟
16
والحقيقة أن علامات الساعة المذكورة في علم العقائد ليس منها شيء في أصل الوحي، وهناك علامات أخرى في أصل الوحي ليست منها، إنما أتت علامات الساعة في علم العقائد من روايات ضعيفة وضعها الخيال الشعبي لاستكمال النسق العقائدي؛ حتى لا تكون العقائد الإسلامية بأقل من العقائد النصرانية أو اليهودية؛ وبالتالي أتت علامات الساعة على منوالها. ويصعب في أصل الوحي التفرقة بين علامات الساعة وبين بدايات اليوم الآخر، وهي صور تجمع بين الحقائق البشرية وبين الحوادث الكونية، ولكن ليس بها أثر لمخلص أو مهدي أو مسيح دجال أو نبي؛ فهناك خسف القمر، وجمع الشمس والقمر، وتكوير الشمس، وانشقاق السماء والقمر، وهوي النجم، ونفخ الصور. تكون السماء كالمهل، والجبال كالعهن. يخرج الناس من الأجداث سراعا، وكل منهم لا يسأل إلا عن نفسه. يكون الناس كالفراش المبثوث، والجبال كالعهن المنفوش. يبعثر ما في القبور، ويحصل ما في الصدور، وتزلزل الأرض، وتدك دكا.
17
ولكن الأهم من ذلك كله أنه إذا كان المقصود من علامات الساعة معرفة ميقاتها، فذلك مستحيل؛ فالساعة، أي نهاية الزمان، غير معلومة؛ لأن الزمان تجربة معاشة، تكون الساعة هي ساعة الزمان أو ساعة الأجل. أما يوم الساعة فإنه غير معلوم، مع أنه يأتي يقينا، لا يعلمه إلا الله باعتباره كل الزمان، تأتي الساعة بغتة. ليس الغرض منها معرفة وقتها وعلامتها، بل الإعداد لها والإحساس بالزمان قبل انقضاء العمر وانتهاء التكليف.
Page inconnue