De la croyance à la révolution (4) : La prophétie – La rétribution
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Genres
13
وهل هناك فرق بين حساب المناقشة القائم على طلب العلة في سؤال: لم فعلت هذا؟ وحساب العرض القائم على الإخبار في سؤال: فعلت هذا وغفرته لك؟ والتعليل أساس الشرع، وهو السؤال الحق، في حين أن الإخبار ليس سؤالا. وكيف يسأل عن التعليل وكل شيء معلوم، خاصة في عقيدة الجبر ونظرية الكسب، ما دام الله فاعلا لكل شيء. وأهداف الإنسان ودوافعه معلومة أيضا في خلق الأفعال. وما الفائدة من حساب العرض إذا كانت المغفرة قد أعطيت من قبل؛ وبالتالي لا يكون المسئول فيها في وضع المساءلة الفعلية وهو يعلم الإجابة سلفا، وكأنها مساءلة شكلية في أوضاع متميزة لمسئولين من العلية؟ ومتى يقع ذلك؟ إذا كان السؤال بين النفختين في الصور، فذلك يكون قبيل البعث، وليس بعد الدفن مباشرة والجسد ما زال طريا قادرا على تقبل عودة الروح والإحساس بالعذاب. هل هو إذن استباق للمستقبل ورؤياه في الحاضر؟ وما الفائدة منه إذا كان الحساب سيتم وسيعرف الإنسان النتيجة؟ وكيف يتم سؤال الملكين بين النفختين والملائكة تموت في الحال؟ كيف يصح السؤال من ملائكة تموت؟ وقد لا يبدأ السؤال بمجرد الموت قبل الدفن، ولكن بعد أن يدفن؛ فقبل الدفن ما زالت الميت بين أهله، وحوله حياة الصراخ والعويل، اليأس والأمل، الحب للفقيد والترحم عليه. فالفقيد ما زال في الذاكرة لم يطوه النسيان. وما إن يطويه ظلام القبر تبدأ الحياة المتصلة، ويبدأ السؤال بعد التفرغ، وكأن لحظة السؤال تتفاوت بين الآخرة والدنيا، بين آخر الزمان قبيل البعث وبين أول الزمان بعيد الدفن.
14
فإذا سهل حل الزمان فإنه يصعب حل المكان. فماذا يحدث لو لم يدفن الميت، ولم يعرف له قبر، مثل الذي أكله السبع، أو الذي طواه اليم، أو الذي تحول إلى رماد في الحريق؟ وماذا لو انتقل الميت من قبر إلى آخر؟ وماذا لو اختلطت عظامه بعظام غيره في المدافن الجماعية إثر الكوارث والحروب، أو في مقابر عامة المسلمين؟ وبأي لسان يتم السؤال؟ بالعربية؟ وماذا عن غير الناطقين بالعربية؟ أم بالسريانية؟ أم يسأل كل واحد بلسانه؛ مما يتطلب معرفة الملكين بكل اللغات؟ وهل يسأل الملكان أم يكفي واحد منهما؟ وهل من العدل التخفيف على البعض بسؤال ملاك واحد، والتصعيب على البعض الآخر بسؤال الملكين معا؟ وهل من العدل أن يجتاز إنسان امتحانا واحدا، وأن يجتاز غيره امتحانين؟ وهل من العدل أن يسأل واحد سؤالا واحدا أو ثلاثة أسئلة أو ثلاث مرات، وأن يسأل الآخر أكثر من سؤال وأكثر من مرة؟ وهل من العدل أن يسأل واحد يوما واحدا أو سبعة أيام، وأن يسأل آخر أربعين صباحا؟ إن كثرة الأسئلة وطول مدة الامتحان تدل على أن الطالب صعب المراس، قادر على الصعود والحوار والجدل أكثر من صاحب الأجوبة الجاهزة على الأسئلة القليلة في المدة الوجيزة. الأول امتحان للكبار، والثاني امتحان للصغار. الأول امتحان يقوم على الرأي والمقال، والثاني يقوم على مجرد وضع علامات صواب أو خطأ على أجوبة معروفة سلفا.
15
وهل من العدل أن يسأل بعضهم عن بعض اعتقاداته، والآخر يسأل عنها كلها؟ هل من العدل إقامة امتحان لمتسابقين خصمين؛ الأول في جزء من المقرر، والثاني في المقرر كله؟ وهل موضوعات الامتحان نظرية خالصة ولسانية قولية مثل الشهادتين وأمر التوحيد؟ صحيح أن الأسئلة الشخصية مثل الإيمان بمحمد: ماذا تقول في هذا الرجل؟ وإنما القصد منها عدم التعظيم للأشخاص؛ ليتميز الصادق في الإيمان عن المرتاب، وحتى تنزع هالة التقديس عن موضوعات السؤال. ولكن الإجابة بنعم من واحد قد لا تدل على الصدق الفعلي، كما أن الإجابة بلا أدري من آخر لا تستدعي الشقاء إلى الأبد؛ فالشك بداية اليقين، وعلم ببرهان خير من إيمان بتقليد، ومن أفتى بغير علم فقد جهل، ومن لا يعلم فإنه يقول الله أعلم. وهل يليق بالملائكة تعذيب البشر إلى هذا الحد، وهو ما يعارض صورة الملاك ووصفه في الخيال الشعبي وفي التجربة البشرية؟ وهل تصبح صورة الملكين دائما هي صورة عزرائيل، ملك الموت؟ كما أنه يصعب تحديد مكان وقوف الملكين حين السؤال. قد يقف واحد منهما عند الرأس، والآخر عند القدمين؛ للإحاطة بالميت من قمة رأسه إلى أخمص قدميه. وهل يجوز وقوف الملاك عند القدمين أم إن رتبته في الشرف تتطلب الوقوف عند الرأس، فالرأس أشرف من القدم؟ الأول على يمين الرأس، والثاني على يساره من على الكتفين، وكأنهما محمولان على الإنسان، قريبان من الأذنين والشفتين واللسان. وهل يصل حجم الملكين إلى هذا الحد القليل بحيث يدخلان القبر الذي لا تتجاوز مساحته بضعة أمتار، ويقفان على رأس الإنسان في مساحة لا تتجاوز شبرا واحدا؟ والخيال الشعبي والروائيات تجعل الملاك من حيث الحجم أكبر بكثير من حجم الإنسان، يصل حجم البعض إلى ما بين السموات والأرض! وقد تزداد التفصيلات في وصف الملكين والمعاونين لهما، وكلما تزداد التفصيلات يزداد الشك في الرواية، كما تزداد نسبة الخيال الشعبي؛ فيدخل عنصر اللون في العيون، فتكون إحدى العينين سوداء والأخرى زرقاء، وهما لونان أحدهما داكن والآخر فاتح، لونا الخير والشر، الإيمان والكفر، مثل الأسود والأبيض، وزرقة السماء مثل بياض القلب. وقد يكون كلاهما أسودي العينين؛ فالسواد لون البشاعة والقبح. وقد تعني زرقة العين مجرد تقليب البصر والتحديق إلى القبور؛ حتى يظهر بياضها، ثم تحول المعنى اللغوي إلى وصف شيئي. وقد يحمل أحدهما بيده مطرقة من حديد يضرب بها رأس الكافر عندما يعبر عن لاأدريته وشكه، فيصيح من وجع الضربة، بينما يتراءى للمؤمن مقعده من الجنة بعد أن أبدل الله مقعده من النار بعد اجتيازه الامتحان والإجابة على السؤال!
16
وقد تظهر ملائكة أخرى مساعدة، مثل ناكور ورومان، يقومان بدور المراقب العام! يعلن رومان الامتحان، أو يفتح محضر السؤال والجواب! وقد يسمى الملكان «رقيب وعتيد»، الثاني أعنف من الأول، كما هو الحال في منكر ونكير، ولكن قد يسبقهما رومان الذي يطلب من الميت أن يجتاز الامتحان كتابيا، وأن يكتب ما عمله في الدنيا. ولا مجال لاعتراض الميت بأنه لا قلم له ولا مداد ولا قرطاس؛ إذ يخبره رومان بأن القلم أصبعه، وبأن المداد ريقه، وبأن الكفن قرطاسه! وهل يكتب الأصبع؟ وهل يترك الريق الأبيض علامة على كفن أبيض؟ أو هل تتسع رقعة الكفن للكتابة خاصة لأعمال الأشقياء؟ ألم يدون كل شيء من قبل في صحائف الأعمال؟ وهل يتذكر الإنسان وهو ميت كل فعله في الدنيا؟ وما المانع ألا يكتب إلا الخير؛ إنقاذا للنفس؟ وكيف يكتب من دفن ويداه مبتورتان، أو الذي لم يدفن وكان بلا جسد بعد أن أكله السبع، أو ابتلعه اليم، أو التهمته النيران؟ وأين يكتب من دفن بلا كفن، أو من سرق كفنه لصوص المقابر، أو دافنو الموتى بعد مغادرة الأهل وإنهاء مراسم الدفن؟ وبماذا يكتب من جف ريقه، ولم يعد في حلقه مداد من هول ما يرى؟ وماذا يفعل الأمي الذي لا يعرف الكتابة؟ وهل يجوز أن يقطع رومان قطعة من الكفن، فيعري الجسد؛ كي يكتب عليها الميت أعماله، ثم يعلقها رومان على عنقه بلا خيط أو مشبك؟ وماذا لو طالت القطعة، ولم يكف الكفن، فيصبح الميت عاري الجسد مغطى الذقن؟ وقد يظهر إبليس متشفيا منتصرا بعد سماع إجابة الكافر، وإن لم يظهر متحسرا حزينا على إجابة المؤمن. ولكي تكتمل الصورة قد يقعد إبليس في ركن من القبر حتى يستكمل غوايته حتى آخر لحظة، وكأن الوقت وقت التكليف. ولا يثبت النبي ولا توجد أية رقية منه لمساعدة الميت، كما كان الحال في الدنيا عندما كان الوحي مساعدا للإنسان في مقابل الغواية، وكأن الإنسان في حياته كان له معين، ولكن بعد مماته يكون وحيدا بلا نصير.
ولإيجاد حل لكل هذه الصعوبات يلجأ إلى الأساس النفسي؛ إذ يخيل للإنسان أنه محاسب بين ملكين له خاصين، فهما له وللجميع في الوقت نفسه، في كل زمان ومكان، وكأن الأمر مجرد إحساس شعوري أو خيال شعبي يدل على تجربة إنسانية؛ تجربة الموت، وما قد يتخيله الإنسان المهموم بسلوكه وأفعاله لما قد يحدث بعد الموت. ويظل الإنسان مطاردا بالغواية والإيقاع حتى ما بعد الموت، في حياة القبر!
17
Page inconnue