De la croyance à la révolution (4) : La prophétie – La rétribution
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Genres
والحقيقة أن الأمر لا يتعلق بحجج عقلية جدلية، بل يعتمد أساسا على التجربة البشرية، وإنما أتت الحجج العقلية لتعقيل الموقف الإنساني؛ فهناك تجارب إنسانية تجعل الاستحقاق أقرب إلى الدوام والتخليد منه إلى الانقطاع والعفو، مثل ضرورة عقاب الظالم والطاغي، وضرورة القصاص من القاتل، وضرورة عقاب الناهب لثروات الناس والقاضي على وحدة الأمة. وليس ذلك فقط ردعا للمسيء أو إيجابا على الله، بل هو شعور إنساني دفين، خاصة لو كان الإنسان قد وقع تحت الإساءة، وناله منها الأذى. ويأتي السمع مؤيدا لهذه التجربة الإنسانية.
5
وشرط الدوام هو العناد والإصرار، وإتيان الأفعال عمدا عن روية وتدبر، وبنية وقصد، بل إن العمد والإصرار هما أحد معاني الكبيرة. وليست العبرة بكم الأفعال وتكرارها، بل بالفعل الواحد دون التكرار، ولكن التكرار يفيد أكثر معاني العمد والإصرار.
6
وإن صاحب الكبيرة إن مات مصرا عليها فإنه مخلد في النار؛ تطبيقا لقانون الاستحقاق، ومن مات ولا كبيرة له فإنه لا يدخل النار أصلا، ويخلد في الجنة. الاستحقاق هنا يقتضي الدوام؛ دوام الثواب والعقاب، وشرط الدوام الإصرار والعناد؛ أي دوام القصد والنية والإرادة. أما صاحب الكبيرة عن اجتهاد فيسقط منه دوام العقاب؛ لسقوط شرط العناد والقصد. ولا ينقطع دوام الاستحقاق إلا بالتوبة؛ فالتوبة روية وقصد، وفعل ونية؛ وبالتالي تكون فعلا. ولا عفو ولا مغفرة قبل التوبة، وإلا وقعنا في العفو غير المشروط بالاستحقاق، كما هو الحال في الأخلاق اليهودية القديمة.
7 (2) هل ينقطع الاستحقاق؟
إذا كان الاستحقاق دائما على التخليد، فهل ينقطع بالعفو أو بغيره؟ الحقيقة أنه قد ينقطع الاستحقاق، ولكن الإشكال كيف ومتى؟ هل ينقطع الاستحقاق لوجود فرق نوعي بين الطاعة والمعصية؛ أي بين الوعد والوعيد، وذلك بتحقيق الوعد وإرجاء الوعيد؟ فالثواب نتيجة حتمية للطاعة، في حين أن العقاب نتيجة محتملة للعصيان، والمطيع يود جزاءه ثوابا، ولكن العاصي لا يود جزاءه عقابا. وهي نظرة إنسانية خالصة تقوم على الرحمة، وليست نظرة قانونية تقوم على العدل. تعتمد على روايات ظنية، أخبار آحاد، أكثر من اعتمادها على العقل، ومعارضة بروايات أخرى تتفق مع دوام الاستحقاق، وتطابق قانون العقل. وإن تعلق آيات العقاب بدوام السموات والأرض، وهما منقطعتان، ينطبق على العقاب والثواب معا، كما أن مغفرة الله لكل شيء إلا التوحيد كلها آيات مجملة في حاجة إلى بيان؛ فالعدل منبثق من التوحيد ونابع منه، وكلاهما من العقليات. وقد يعني ذلك تأكيدا للإرادة المطلقة وإثباتا للصفات، وقد يكون ذلك للصغائر دون الكبائر أو للبعض دون البعض، وقد يغفر الله الذنوب جميعا للمؤمنين وحدهم دون الكافرين. والمغفرة مشروطة بالتوبة، وليست مجانية بلا مقابل، وإلا كانت إغراء على المعصية، وتساوى فيها المطيع والعاصي.
8
وقد تعطى روايات أخرى تتحول إلى حجج عقلية نقلية، مثل انقطاع العقاب لصاحب الأفعال العظيمة، كالسبق في الإيمان، والشهادة في أول المعارك. والحقيقة أن السبق في الإيمان فعل استحقاق، وليس مجرد استحقاق بلا فعل، بما في ذلك الأنبياء. أما الأطفال والسقط فهم خارج أفعال التكليف. وأما الشفاعة فضد الاستحقاق وخرق له، وإعطاء فعل إنسان لآخر بغير استحقاق. ويزداد الأمر صعوبة بمعرفة أصحاب الشفاعة بالاسم، وكأنها تزكية دنيوية لهم وقبول لأفعالهم مهما كانت، ما داموا من المبشرين بالجنة. أما أصحاب اليمين؛ أي الذي تفوق حسناتهم سيئاتهم، فإن انقطاع العقاب عندهم مشروط بأفعال الطاعة، وموافاتها أفعال المعصية؛ فانقطاع العقاب هنا دوام للثواب. وعلى النقيض من ذلك يكون أصحاب الشمال الذين تفوق سيئاتهم حسناتهم، فينقطع الثواب ويدوم العقاب. إن الأعمال العظيمة أفعال استحقاق تطوي الصغائر في داخلها وتصبح من اللمم؛ إقالة لذوي العثرات، واعترافا بالضعف الإنساني.
9
Page inconnue