De la croyance à la révolution (4) : La prophétie – La rétribution
من العقيدة إلى الثورة (٤): النبوة – المعاد
Genres
6
إن وضع الإنسان في الحياة في حالة الثقة بالنفس وضع من ذاته وليس كرما أو جودا من أحد، نتائج عمله تأدية لواجباته ولا شكر على واجب. إن قانون الاستحقاق لا يجوز إلا بين متكافئين، أما نعم الله والثواب عليها فغير متكافئين؛ هذا شكر المنعم وليس الاستحقاق. لا يعني الاستحقاق أن الثواب والعقاب يعودان على الله بنفع أو ضرر، ولكن تزداد ثقة الإنسان بفعله وبنتائجه وبقوانين الطبيعة وسنن الكون، فالله غني عن العالمين، وإنما أتى الوحي لمصلحة الإنسان.
7
إن التكليف لا يتطلب بالضرورة القضاء على صفات الأفعال الذاتية وموضوعية القيم، بل قد يكون التكليف تأكيدا وإثباتا لها؛ مما يدل على ارتباط الأصول بعضها ببعض. ولا تقضي موضوعية القيم على الحرية، بل على العكس هي شرط لها؛ فموضوعية القيم تعطي الحرية ثباتا عمليا واستقلالا نظريا، وتجعلها مباشرة في مواجهة موضوعها. ولماذا يضيع جهد الإنسان ومشقته وتعبه بلا جزاء؟ ولماذا تقع النتائج ابتداء دون مقدمات، كرما دون استحقاق، هبة ومنة لا كسبا وتحصيلا؟ والعجيب أن يتجه إلى ذلك أنصار الكسب، وإثبات الكسب هنا أولى من أجل الاستحقاق، وليس لسلب الإنسان حريته وخلقه لأفعاله. كيف يحصل الإنسان على نتائج فعله من غير تعب ولا نصب؟ ليست المشكلة هي القدرة على العطاء، بل استحقاق العطاء. ليس الأمر من وجهة نظر الله، بل من وجهة نظر الإنسان. وما فائدة العطاء لو كان جبرا ومنة؟ وما قيمته لو كان من السيد إلى العبد؟
8
لذلك ارتبط الاستحقاق بحرية الأفعال؛ ومن ثم فثواب الملائكة ليس كثواب البشر، فالملائكة ليسوا أحرارا وليسوا مكلفين مأمورين وطائعين، في حين أن البشر مكلفون مأمورون ومنهيون بناء على تمتعهم بشروط التكليف؛ حرية الأفعال وكمال العقل. فالإنسان وحده هو الموجود الحر العاقل الذي اختار الرسالة لحملها، والأمانة لتبليغها، والكلمة لتحقيقها.
9
وقد تؤخذ حلول وسط؛ إما باستحقاق العقاب والتفضل بالثواب، أو باستحقاق الثواب والتنازل عن العقاب! والأول انتقام وسوداوية وحقد وتشف وغضب، وكأن قانون العقل هو قانون العقاب وحده، والثواب تفضل وتنازل وعطاء ومنة لا يعرف إلا بالسمع. قد يكون ذلك في حق الغير ممكنا؛ فالغير المسيء لي عقابه واجب عقلي لا تسامح فيه، في حين أن ثوابه على فعل الطاعة لا يؤثر كثيرا فيها؛ لأن الطاعة حسنة لذاتها وليس لثوابها، ولا يعفو الإنسان عن المسيء له إلا بسمع، ولكن ألا يجعل ذلك السمع معارضا للعقل ومناقضا له، بل وهادما إياه؟ وهل يكون أساس العقاب وحده في العقل في حين أساس العفو أو الثواب بالسمع؟ وإذا كان الأمر بالنسبة إلى النفس، فهل تود النفس توقيع العقاب عليها عقلا وإرجاء الثواب إلى السمع؟ ألا يكون ذلك تعذيبا للنفس إيلاما للذات؟ ولماذا لا يتنازل العقل عن العقاب في حين يتنازل عن الثواب وكأن حق الآخر لا تنازل فيه ولا يكون التنازل إلا في حق الذات؟ إذا كان العقل لا يقبل الإساءة، فإنه قد يقبل التنازل عن الثواب إذا ما جاء السمع به. هل هذه تضحية بالذات في سبيل الغير، أم أنه تعذيب للذات بالإبقاء على عقابها والتنازل عن ثوابها؟
10
أما الثاني وهو استحقاق الثواب والتنازل عن العقاب فهو أقرب إلى الطبيعة الخيرة، وهو من شيم القدرة على العفو، فالعفو عند المقدرة. والعقاب في النهاية ليس غاية في ذاته بل وسيلة للإصلاح، وإذا ما تم صلاح الناس يصبح العقل بلا داع أو هدف. فإذا ثبت الثواب بالعقل فالعقاب ينظر فيه بالعفو؛ نظرا لإمكانيات الندم والتوبة، وإن لم يتم الصلاح فالعقاب لا فائدة منه، وغرض التكليف هو النفع، فإن لم ينتفع المكلف وعصى فقد فوت على نفسه النفع وهو أكبر عقاب له، وتتوقف الغاية من العقاب الأول. والله منزه عن إنزال العقاب بالناس إن فوتوا صلاحهم في الدنيا، ولن يعود عليه شيء بالنفع إذا ما تم العقاب. التعذيب في حد ذاته ضرر خال من المنفعة، والله منزه عنه أو حتى عن النفع، بل العقاب والنفع إنما هما لصالح الإنسان، وليس الدافع لتوقف العقاب هو خلق الله للأفعال، فذاك ضد مكتسبات العدل؛ الحرية والعقل؛ فالعقاب من نتائج التكليف. وقد يكون التنازل عن العقاب فضلا أو تعبيرا عن الرحمة والقدرة.
Page inconnue