De la croyance à la révolution (1) : Les prémisses théoriques
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
Genres
وإذا كان الموقف هو التحريم التام لعلم الكلام باسم الشرع فلا يمكن صياغة عقائد لأهل السنة لأن كل صياغة تعني إعمال الفكر أو تفسير النصوص، وهي كلها اجتهادات ظنية في حين نجد بعض الفقهاء وقد حرم علم الكلام ثم صنف فيه دفاعا عن عقائد أهل السنة!
ويفضل بعض القدماء جعل علم الكلام فرض كفاية لا فرض عين، يجوز أن يشتغل به الخواص فقط دون العوام، إذا قام به البعض سقط عن الآخرين، وهذا البعض هم أهل العلم والفتيا، المتفقهون في الدين، الذين يقومون بمهمة الدفاع عن العقائد ضد تشويش أهل البدعة لها، ولكن يظل العلم محجورا على العوام، يقوم به الخاصة قدر الحاجة وتحقيق المطلب، وكل زيادة على ذلك تعتبر من فضول الكلام،
23
ولكن إذا كان علم الكلام ليس هو العلم التقليدي، بل هو العلم الذي يمد المسلمين بأيديولوجية العصر، يأخذ مصالحهم في الاعتبار، يدافع عن أراضيهم وثرواتهم، يجندهم في حزب، يكون إذن فرض عين على كل مسلم ومسلمة، ويكون واجب كل فرد هو الفهم البسيط للأمور النظرية حتى يكون على وعي بالعمل، ولا يكون مجرد آلة للطاعة والتنفيذ، علم أصول الدين فرض عين، لا بمعنى علم الكلام القديم،
24
ولكن بمعنى تأصيل النظر، وتأسيس القواعد التي يمكن بواسطتها إعادة فهم الإسلام كنظام للحياة الفردية والجماعية، حاجة العصر فكرية واجتماعية وسياسية، وعصرنا هو عصر الأيديولوجيات والمذاهب السياسية، وظيفة علم أصول الدين تأسيس الأيديولوجية الإسلامية، وبيان وسائل تحقيقها بالفعل؛ وبالتالي تمحي التفرقة التقليدية بين علم أصول الدين وعلم الفقه أو بين علم الأصول وعلم الفروع أو بين علوم اليقين وعلوم الظن أو بين علوم النظر وعلوم العمل أو بين علم التوحيد وعلم التشريع. إذا كان التوحيد تشريعا للواقع، فالواقع توحيد للتشريع، التشريع توحيد للواقع. إذا كان الخطر القديم قد أتى من النظر في الحضارات المجاورة خطر التشويش على العقائد الجديدة، والطعن في الأنبياء وصدقهم، وإنكار المعاد والحشر، فإن الخطر الآن على ثروات المسلمين واستقلالهم وأراضيهم وشعوبهم؛ ومن ثم لزم تغيير مضمون العلم طبقا لنوعية الخطر واتجاهه، والانتقال من «علم اللاهوت» إلى «لاهوت الأرض»، ومن «لاهوت النبوة» إلى «لاهوت التحرر» ومن «لاهوت المعاد» إلى «لاهوت التنمية» أو «لاهوت التقدم» أو باختصار «من العقيدة إلى الثورة»، والعلم قادر على تطوير نفسه بنفسه طبقا لنوعية الخطر واختلافه من المتقدمين إلى المتأخرين.
25
إذا كان علم الكلام قد وضع موضع الاتهام من العلوم التقليدية الأخرى، ووقع الهجوم عليه من علوم الفقه والفلسفة والتصوف، فإنه لم يهاجم أي علم ولم يوضع أي علم تقليدي آخر موضع الاتهام إلا في أقل الحدود؛ ربما لأن علم الكلام كان أولها في الظهور والتكوين، فلم يتم التعرف على العلوم الأخرى إلا في وقت متأخر؛ وفي هذا الوقت انشغل علم الكلام بحروبه الداخلية وبصراع الفرق وهجومها المتبادل أو بالرد على الملل والنحل الخارجية التي غزت الحضارة وانتشرت، وأصبحت تمثل خطرا على الفكر الجديد الناشئ؛ ربما لأنه لم يكن هناك علم كلام واحد يتحدث باسم التوحيد ضد الأنماط الفكرية الأخرى، فقد اقتربت المعتزلة من الفلاسفة، واقترب الشيعة من الصوفية، واقترب الأشاعرة من الفقهاء وأهل السنة، فوجدت كل فرقة حليفا في أحد العلوم ضد الفرق الأخرى، ومع ذلك نجد إشارات بسيطة في الهجوم على بعض النظريات الفلسفية وعلى رأسها قدم العالم أو قدم المادة أو وصف الفلاسفة لعالم الأفلاك أو لإثباتهم وجود التصورات في الخارج، كما نجد أيضا نقدا للتصوف في نظرياتهم عن الحلول والاتحاد.
26
ومع ذلك يظل علم الكلام في قفص الاتهام، ويظل السؤال قائما: هل علم الكلام علم؟ وبأي معنى؟ وتحت أي شروط؟
Page inconnue