De la croyance à la révolution (1) : Les prémisses théoriques

Hasan Hanafi d. 1443 AH
136

De la croyance à la révolution (1) : Les prémisses théoriques

من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية

Genres

52

وتدخل مسألة الخاطر أيضا في حرية الأفعال؛ أفعال الشعور الداخلية نظرا لارتباطها بالدواعي. فمرة يكون الخاطر أقرب إلى المنبه على الدلالة، ومرة يكون هو الدافع على النظر فيكون كالدواعي مثل الخوف من ترك النظر؛ لما يترتب عليه من ضرر يدرك العقل قبحه في حين أن الداعي هو الباعث على النظر. أما الخاطر فهو ما يرد على الذهن بعد توافر الدواعي التي تتوافر عند العاقل دون الصبي أو المجنون أو الساهي أو الغافل. ولا تصل قوة الداعي إلى حد الإلجاء وإلا انتفى النظر. الدواعي هي التي توجه الإنسان وتدفعه نحو إعمال الذهن، الداعي هو الأمارة التي تنبه الإنسان على ضرورة النظر وتحذر من مضار تركه، ولا يكون التنبيه إلا عند أمر حادث؛ أي في موقف اجتماعي يكون هو المسبب للدواعي والخواطر، فيبدأ حديث النفس. وهذا كله يجعل المعرفة ممكنة. فإمكانية المعرفة تعادل وجود الحوادث والدواعي والتنبيه والخواطر. وذلك كله ينتفي بالسهو وبالغفلة وبآفات السمع وبفقدان الحواس، ومع ذلك، السهو طارئ، والغفلة عرض، وآفات السمع لا تقضي على التنبيه. الداعي من النفس، والخاطر حديث النفس، وكلاهما مرهون بحياة الشعور، كما أن النظر والعلم مرهونان بيقظة الشعور،

53

ولا يقوم الخاطر مقام الداعي أو الداعي مقام الخاطر؛ فلكل منهما عمله في الشعور. الداعي هو الباعث، والخاطر ما يرد على النفس أو بعد استدلال. وإن كان الداعي سابقا على الخاطر، فإن ورود الخاطر بعد الداعي لا يجعله زائدا، بل يكون نتيجة طبيعية لوجود الداعي. وإن كان الداعي أقوى حضورا فالخاطر أيضا يكون أقرب إلى النفس والدلالة من مجرد الباعث النفسي. ولا خوف أن يكون الداعي كاذبا أو ماجنا أو هازلا، وألا يكون مخبرا بالنفع والضرر؛ لأن الداعي أمر خطير يمكن التحقق من صدقه بالرجوع إلى الموقف الاجتماعي وليس فقط إلى صدق المخبر إذا ما كان الداعي خبرا.

54

والداعي أساس التكليف؛ إذ لا يوجد تكليف بلا داع. ولما كان النظر تكليفا، فإنه يقوم على الدواعي، وهي أشبه بالعلم الضروري الذي يحدث في الشعور؛ إذ إنها مثل الباعث العاقل، يدفع الإنسان إلى أفعال الحسن ويصرفه عن أفعال القبح. وقد يكون أيضا استدلاليا بوقوع نوع من حديث النفس الباطني ومقارنة الدوافع والصوارف. ولكن الغالب عليه أن يكون ضرورة وإلجاء. ويختلف في ذلك فرد عن آخر دون أن ينال هذا الاختلاف من وجود الداعي وما نلجأ إليه من وجوب النظر.

55

قد يكون الداعي إذن للفعل أو الترك، للإقدام أو الإحجام، والذي يحدد ذلك حال الشعور صفة في الشيء. ولا يعني وقوع الأفعال عن الدواعي وقوع القبيح ابتداء؛ لأن الدواعي مجرد البواعث على الأفعال بعدها تحدث الخواطر ثم يأتي النظر من أجل التحقق من صدقها. الداعي هو الباعث وليس صفة الحسن والقبح في شيء. ولا يعني انتفاء الثواب والعقاب على الصغائر انتفاء قبحها وإلا كان هناك داع لفعلها وإغراء عليها.

56

وعلى هذا النحو يتحول موضوع النظر كأول الواجبات إلى مقدمة للفعل وأساس نظري للسلوك من خلال الخواطر والبواعث والدواعي. فالنظر متجه بطبيعته نحو العمل، والداخل مفتوح على الخارج؛ مما يجعل النظر يتحول بسهولة إلى موضوع النظر معلنا عن قرب نهاية نظرية العلم وبداية نظرية الوجود كموضوع للعلم.

Page inconnue