De la croyance à la révolution (1) : Les prémisses théoriques
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
Genres
إن ثبوت الأحكام كلها بالشرع، ولكن بشرط العقل؛ يجعل دور العقل هذا هو فهم الشرع وتفسيره أو تبريره والدفاع عنه دون أن يكون هو المشرع والمنظر والموجب. وإذا كانت البلاد النامية تعاني من وظيفة العقل في التبرير والدفاع عن شيء آخر يتم التسليم به عن طريق السلطتين الدينية والسياسية، فإن هذا الموقف الأول يكون تثبيتا للوضع القائم في البلاد النامية، وهو جعل العقل تابعا لا متبوعا، وفرعا لا أصلا.
25
وثبوت النظر وحده دون سائر الأحكام بالفعل موقف نسبي يريد إثبات النظر كحقيقة أولى وترك باقي الأحكام كمسلمات يمكن للنظر فهمها وتفسيرها، أي تبريرها والدفاع عنها. قد يكون الهدف من هذه الازدواجية استقلال النظر ووجوبه حتى يحدث أثره المرحلي، ثم تأتي أجيال أخرى فتجعل باقي الأحكام واجبة بالنظر بعد أن تكون الجماعة قد تعودت عليه. وبالتالي يتحول الإصلاح إلى نهضة، والنهضة إلى ثورة، وهو المنهج الإصلاحي في التغيير.
26
أما وجوب الأحكام كلها بالعقل بما في ذلك النظر، فإن من شأنه إحداث يقظة في البلاد النامية، وثورة فكرية تحدث هزة في النفوس، وتدفع بالجماعة إلى الطفرة، والانتقال من التقليد إلى النظر. ولما كانت مجتمعاتنا تغلب الشرع على العقل نظرا لسيادة الأشعرية منذ القرن الخامس وازدواجه بالتصوف حتى الآن، كان البديل العقلي يكاد يكون معدوما؛ فالقول بالوجوب العقلي إذن إيقاظ للجماهير ورد فعل طبيعي على سيادة الوجوب الشرعي، في حين أن الموقف الإصلاحي الوسط لا يحدث نفس الأثر الفوري في الجماعة؛ لأنه يخدم الوضع القائم باستثناءات الأحكام من النظر، كما يخدم التغيير في المستقبل بجعله النظر واجبا عقلا. أما الانحياز إلى الوجوب العقلي فما هو إلا رد فعل على الانحياز إلى الوجوب الشرعي. ولا يغير من الانحياز إلا الانحياز المقابل حتى يحدث التوازن في الأجيال القادمة. أما الحلول الوسط في المواقف التي تستدعي انحيازا، فإنها تنفصل إلى طرفين؛ إذ يجذب كل طرف الوسط لصالحه. ولا وجود للوسط إلا بعد أن يتحقق الطرفان في الجماعة كفعل وكرد فعل، ثم يأتي الوسط وقد أثبت كل من الطرفين وجوده.
27
وتتحول نظرية الوجوب إلى نظرية في التكليف. فالإنسان لا يقوم بالنظر فقط بالوجوب العقلي، ولكنه مكلف به بالتكليف الشرعي. النظر جزء من التكليف، والتكليف هنا معرفي خالص؛ أي النظر المؤدي إلى المعرفة أو النظر المؤدي إلى العلم. إذا حصل العلم بالمنظور؛ وهنا تبدو نظرية العلم كنظرية في التكليف. وجوب النظر يجعله تكليفا لأن الوجوب تكليف أي التزام. النظر واجب أي تكليف مثل الصلاة والصيام. وإن حصر الواجب أي التكليف في الصلاة والصوم هو أخذ جزء من الواجبات الشرعية، وهو الأسهل، وترك جزء آخر منها، وهو الأصعب. وهو ما تحاول السلطتان الدينية والسياسية التركيز عليه في المجتمع المتخلف. يقوم أداء الواجبات الشرعية على الطاعة ويؤدي إليها، في حين يقوم واجب النظر والتكليف به على الوعي ويؤدي إليه. وإذا ما وعى الناس فكروا في أوضاعهم الاجتماعية والسياسية، وشعروا بمدى القهر الذين هم واقعون تحته.
ويتضمن التكليف جهدا ومشقة، ومن ثم فهو عمل عقل وإرادة معا، عقل للفهم والامتثال وإرادة للعمل والالتزام. والنظر أيضا به جهد ومشقة. فهو معاناة للفكر، ومقاومة للتقاليد الموروثة، ودفع للشبه، وترك للشكوك، ودفع للظنون والأوهام، وابتعاد عن الجهل، وسعي وراء العلم.
28
التكليف علم وعمل، والعلم أساس التكليف، والتكليف قائم على العلم. وهذا لا يعني أن العلم لا يحدث أثناء العمل، وهو العلم عن طريق الممارسة، من خلال تجارب المحاولة والخطأ؛ فالعلم النظري الأول الذي يقوم على يقين صوري علم عملي يقوم على يقين عملي. التوحيد أساس نظري للسلوك، وهو المبدأ الذي على أساسه تقوم وحدة الذات بين الداخل والخارج، ووحدة الجماعة بلا تمايز طبقي، ووحدة الإنسانية بلا تفرقة عنصرية. يمثل التوحيد مجموعة من القيم، يعمل الفرد والجماعة على تحقيقها.
Page inconnue