De la croyance à la révolution (1) : Les prémisses théoriques
من العقيدة إلى الثورة (١): المقدمات النظرية
Genres
18
وكذلك يرى الإنسان صعوبة في التفرقة بين النوم واليقظة. والحقيقة أن الاطراد أساس القانون العلمي، والتعميم يقين عقلي تندرج تحته كل الجزئيات. أما خطأ الحواس في إدراك الجزئيات، فإنه لا يحدث إلا إذا تجاوز الحس إمكانياته، ولم تتحقق شروط الإدراك مثل مسافة الرؤية، واعتدال المزاج، والشعور المحايد. واليقين الحسي لا يقل عن اليقين العقلي. ليست كل الرؤى عمى ألوان، وليس الإدراك الحسي كله خداع. والحس قادر على التمييز بين الأمثال لأنه قادر على إدراك الجزئيات، والعقل قادر على تصور أوجه الشبه بينها، كما أنه يمكن التفرقة بين اليقظة والنوم مهما كان الإنسان مستغرقا في النوم، تضغط عليه الأفكار والرؤى؛ فإنه بمجرد أن يستيقظ يدرك الفرق بين اليقظة والنوم، ومهما استغرق الإنسان في أفكاره وأحلامه وهو يقظ فإنه يدرك بمجرد عودته إلى الوعي بالواقع أنه كان في لحظة استغراق. إن الحواس لا تخطئ إذا كانت بريئة من الآفات، وإذا كانت تعمل في مداها الطبيعي، وإذا كانت تؤدي وظائفها المحددة.
19
والعقل قادر أن يفرق بين الصواب والخطأ في المدركات الحسية، كما أنه يمكن اللجوء إلى مجرى العادات للتفرقة بين النوم واليقظة. إن الحس السليم لا يخطئ، وخطأ الحواس راجع إلى آفة فيها وليس إلى طبيعتها. ولا يوجد برهان على شهادات الحس لأنها معارف ضرورية، والمعارف الضرورية لا تحتاج إلى برهان، كما يستحيل البرهان نفسه دون مقدمات ضرورية لا تحتاج إلى برهان، وإلا وقعنا في الدور أو التسلسل إلى ما لا نهاية. هذا بالإضافة إلى أن خطأ الحواس هو الفرع والبداهة الحسية هي الأصل، خداع الحواس هو الاستثناء وسلامة الإدراك هي القاعدة. هناك حقائق حسية لا يمكن أن تكون خداعا أو وهما، مثل أني جالس الآن، أكتب ، والقلم في يدي، وأني أتنفس وأحيا وأفكر، أو أنك الآن تقرأ وتفهم وتستوعب وتحيا وتتنفس وتفكر، أو كأني محتل، مقهور، متخلف، وأن أمامي فقرا وتغريبا وفتورا. هذه الحقائق الوجودية شهادات حسية لا يمكن إنكارها.
20
قد تكون الأسباب في إنكار العلوم الضرورية اجتماعية صرفة لا شأن لها بنظرية العلم، مثل الغفلة والإعراض عن الحق، والاشتغال بطلب المعاش أو بزيادة جاه أو مال أو سعيا وراء منصب، وهذا يمكن تجاوزه عن طريق التجرد، واعتبار العلم غاية وليس مجرد وسيلة للمعرفة. وقد يكون تقليد العلماء طبقا لحسن الظن أو الاستحسان أو الهوى مع رفض البرهان وسماع هواجس النفس، والتقليد ليس علما بل علم مضاد. وقد يكون الإنكار باللسان لما يصدقه القلب طمعا في رئاسة أو منصب أو جاه أو خوفا من فقد ميزة. وهذا ناشئ عن موقف العالم وليس عن نظرية العلم وعن ارتباط العلم بموقف العالم واتجاهه، وارتباط النظرية بالبواعث والدوافع والرغبات. كما صعب إنكار المعارف الضرورية من الخصوم لأنهم ينكرونها بمعارف ضرورية وليست معارف الإنكار بأولى من معارف الإثبات. وإذا كانت هناك براهين يقينية على إنكار المعارف الضرورية، فإثبات العلم بها أولى. وهي نفس الحجة التي تقال أيضا ضد مواقف الشكاك المنكرين للعلوم على الإطلاق. إن إنكار المعارف الضرورية هو إنكار لإمكانية تأسيس العلم وهدم له مع أن الغاية من تأسيس نظرية العلم إقامة «نسق» للعقائد، وبالتالي تستحيل إقامة العقائد. وفي هذه الحالة يكون «الكفر» ضروريا ما دام ليس هناك علم ضروري لإثبات «الإيمان».
21
والعلم الضروري هو مطلق العلم بصرف النظر عن موضوع العلم، مثل العلم «بالله». ليس العلم هو العلم الخاص، بل هو العلم العام من حيث هو معرفة دون تحديد موضوع معين، مثل معرفة «الله». مع ذلك لا تمتنع مثل هذه الموضوعات أن تكون موضوعات معرفية مثل البحث عن الخالص أو الشامل أو المطلق أو الفكرة المحددة. ولكن يتم ذلك في نطاق التصورات وعمل الشعور وليس بطريقة التشخيص.
22
وهو العلم الضروري الذي يقوم على شهادة الحس في هذا العالم وليس في عالم آخر بعد الموت أو قبل الميلاد، مشاهدة في الحاضر وليس رؤية مستقبلية لما لم يقع بعد. يمكن معرفة الماضي بالعلوم التاريخية والمستقبل بالعلوم المستقبلية. وكلا العلمين يتمان في الحاضر طبقا لشهادة الحس والعقل والوجدان. يمكن معرفة الله ضرورة من حيث هو مبدأ معرفي أو أخلاقي أو كمساواة إنسانية وبناء اجتماعي، فتلك بداهات وجدانية واجتماعية.
Page inconnue