De la Croyance à la Révolution (5) : La Foi et l'Action - L'Imamat
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
Genres
24
ويتحول الأمر من صراع للنظام السياسي وقمة السلطة المتمثلة في الإمام إلى صراع المجتمع بأكمله، فتكون الدار دار حرب وليست دار إيمان. فالدعوة إلى عدم الخروج تؤدي إلى اعتبار الدار دار إيمان، ثم تندرج الدعوة شيئا فشيئا طبقا لمقدار الرغبة في الثورة ضد البغي. فقد تصبح مجرد دار فسق أو دار كفر نعمة أو دار كفر عندما لا يتم إنكار، وتتوقف ممارسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، أو دار كفر وشرك وهي على الضد من دار الإيمان. وقد يتم التوقف في ذلك كله وتصبح مجرد دار هدنة.
25
وبالرغم من هذا التدرج يظل التقابل بين دار الإيمان ودار الكفر، ودار الإيمان للنفس ودار الكفر للآخر المخالف. وقد تكون هذه القسمة بداية السقوط في التاريخ والانهيار في الزمن. وتشق وحدة الأمة بعد أن اعتبر فريق نفسه على حق وداره دار الإيمان، والمخالف له على باطل وداره دار الكفر. فالفرقة دارها دار إيمان؛ والفرقة الضالة، وهم أهل الأهواء، دارهم دار كفر. وتتراوح العلاقة بينهما بين علاقة السلم وعلاقة الحرب. فطالما أن أهل الأهواء لا يحاربون الفرقة الناجية تقابلها سلما بسلم وهدنة بهدنة ، ويكون لأهل الأهواء حقهم في الفيء وارتياد المساجد. وإن غلبت الفرقة الضالة في مكان، ولكن كان للفرقة الناجية حريتها في العبادة وحرمتها في البلاد، فإن الدار تكون دار إيمان، اللقيط فيها لا يسترق. أما إذا كانت الفرقة الناجية مضطهدة، فالدار دار حرب، واللقيط فيها يسترق، والغنيمة فيها فيء. تحرم ذبائحهم ونكاح نسائهم، وتوضع عليهم الجزية مثل المجوس. وقد يعتبرون مرتدين لا تقبل منهم الجزية، ولا تجوز إلا سرقاتهم. والشاك في كفرهم كافر مثلهم، وإن اعتبروه مجرد ضلالة فقد لا يكفر. ومع ذلك تجوز مبايعة أهل الأهواء، وإجراء عقود المعاوضة معهم؛ لأن قتلهم بعد الامتناع عن التوبة من واجب السلطان وحده. وأهل الأهواء مثل أهل الحرب، تجوز مبايعتهم بالرغم من وجوب قتالهم، إنما الخلاف في جواز إقامة السيد الحد على العبد. وكأن السيد بالنسبة للعبد بمثابة السلطان بالنسبة للرعية، وهو قياس باطل.
26
والحقيقة أن هذا التقابل بين الفرقة الناجية والفرق الضالة هو خلاف سياسي صرف بين السلطة وهي الفرقة الناجية، والمعارضة وهم أهل الأهواء أو الفرق الضالة. وتتحدد العلاقات بينهما طبقا للصراع على السلطة، وكل فريق يشرع لحقه مستعملا العقائد كأيديولوجيات، إما لتثبيت النظام القائم كما تفعل السلطة، أو لزعزعته والقضاء عليه كما تفعل المعارضة. وهنا تبدو العلاقة الوثيقة بين علم أصول الدين وعلم أصول الفقه، بين العقيدة والشريعة؛ فكل العقائد والتشريعات إنما هي لنصرة فريق ضد الفريق الآخر، فالفرق الضالة بالنسبة للفرقة الناجية، أي المعارضة في رأي السلطان المتشددة، فرق ضالة، أهل أهواء، أقرب إلى المجوس وأهل الكتاب منهم إلى المسلمين، يقاتلون، ويسترقون، ويغنمون، تحرم ذبائحهم ونساؤهم، وتؤخذ منهم الجزية. وقد يكون الأمر أخف من ذلك إذا ما كانت السلطة أقرب إلى اللين. وتشتد السلطة عندما تشعر بالخطر، وتلين عندما يبتعد الخطر وتشعر بالأمان، والشك في هذا الصراع إنما هو في صالح أهل الأهواء؛ وبالتالي فلا حياد بين السلطة والمعارضة، ولا احتمال للمصالحة الوطنية. ومع ذلك، وحفاظا على المصالح الاقتصادية للدول، يمكن عقد المبايعات مع المعارضة والدخول في مظاهر النشاط التجاري معها؛ فالخلاف السياسي يتوارى أمام المصالح الاقتصادية. يظل الصراع إذن بين دارين؛ الإيمان والكفر، السلم والحرب، الإسلام واللاإسلام، باستعمال سلاح الدين وإضفائه على الخلاف السياسي. وكأن دار الإيمان مجتمع واحد لا خلاف فيه ولا تمايز ولا صراع بين طبقاته، وكأن الصراع على السلطة والحفاظ عليها يجب ما دونه من خلافات، هو التناقض الرئيسي، وما دونه تناقضات ثانوية. فإذا ما لانت السلطة في مواقفها تجاه المعارضة، فإن المعارضة تقابلها لينا بلين، فلا تراق دماء الأمة ولا تغنم أموالهم ولا تسبى ذراريهم بالرغم من الحكم على المعاصي بالكفر. لا تكفر القعدة، وتكون الهجرة مجرد فضيلة لا فرضا؛ وبالتالي يخف الصراع على السلطة، ويقل الدافع النفسي، ويحكم العقل. فما زال في الأرض متسع للجميع.
27
وكان من الطبيعي أن تقابل المعارضة السلطة عداوة بعداوة، وتكفيرا بتكفير، ورفضا برفض؛ فالسلطة كافرة مشركة، السيرة فيهم السيرة مع الكفار والمشركين، لا تعامل معها إلا بالسيف. يستولى على الأموال وتسبى النساء. وكما تتشدد المعارضة مع السلطة تتشدد مع نفسها في العبادات، ويقاتل النساء مثل الرجال، والكل أصحاب خيل وشجاعة. أهل السلطة إذن مشركون ودارهم دار حرب. وكلما زاد التشدد مع النفس ومع الآخر حدث الانقسام في صفوفها، وزاد التشرذم، وكفر كل فريق الفريق الآخر، ويقع الجميع في «الطفولة اليسارية» أو الطهارة الثورية، حتى تصبح الثورة بلا ثوار، بلا أئمة وبلا جماعة.
28
وقد يظهر الاعتدال من بعضهم فلا تستحل الأموال ولا تسبى النساء، ويصبح المخالفون لهم كفار نعمة لا كفار شرك، يستمرون في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كتعبير عن العدل والتوحيد.
Page inconnue