De la Croyance à la Révolution (5) : La Foi et l'Action - L'Imamat
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
Genres
يختلط الواقع بالأسطورة أو يتحول إلى حلم. إذا ما ضاع الحق واستشهد الإمام فإنه يبقى حيا لا يموت، يعود عن قريب، وينتظره الناس. وإذا ما أفاقت الجماعة فإنها تدرك أن إمامها قد خدعها، فتثور عليه وتقتله. وكلما ضاع الواقع جعلت الأمة همها كله في الإمامة. ضياع الأسفل يتحول إلى وجود الأعلى، وغياب القاعدة يؤدي إلى التركيز على القمة. وكلما ضاق الخناق وقل الانفراج على الخارج، ازداد التقاتل على الداخل، مثل الطفولة اليسارية في حركات المعارضة. وتصطدم الشراذم بالسلطة، وينكشف أمرها، وتزداد تشتتا.
34
والحقيقة أن التعيين بالنص رجوع إلى الوراء، وإسقاط للماضي على الحاضر، وإعادة قراءة الماضي بناء على الوضع النفسي الحاضر؛ فالنص لا يتحدث ولا يتحول إلى معنى، بل يجعله المتأول يتحدث طبقا لما يريد؛ فالأصل هو الواقع الحالي، وهو الذي يعطي النص مضمونه ومحتواه. وبدلا من تحليل الواقع ذاته ومكوناته يتم الاعتماد على حجة السلطة في مجتمع النص فيه مصدر سلطة. أما الواقع التاريخي فكله أصبح بغير ذي دلالة. وماذا يفيد الواقع الآن لمعرفة أيهما كان على حق أو أي الفريقين كان أحق بالخلافة؟ إن الوقائع التاريخية المحددة ليست جزءا من الإيمان أو مضمونا للعقيدة، إنما الدلالة في التعيين بالنص أو العقد بالبيعة. إن إحالة موضوع الحكم إلى الواقع التاريخي القديم لهو تعويض عن الحاضر الضائع والاغتراب عنه، تشبث بالأسلاف في ضياع الأحفاد، والبحث عن الحق بينهم وفي خلافاتهم عجزا عن البحث عنه بيننا وفي خلافاتنا. وبالرغم من جماهير أهل السنة التي نعيش بينها إلا أن الحكم لدينا أقرب إلى الشيعة؛ أي تعيين الإمام بالنص أو الوصية، ضابطا عن ضابط أو أميرا عن أمير أو ملكا عن ملك. وبالرغم من أن الشيعة تقول بالنص والتعيين إلا أنها كانت أقدر على الثورة على الحكم الظالم. وهو تناقض في الصلة بين الموروث القديم والنية الحالية يبعث على التساؤل من جديد: إلى أي حد يقبع الموروث في البنية النفسية للعصر؟ (2) الإمامة عقد واختيار
ليست الإمامة عقدا واختيارا بناء على نص من الوصي، أو بناء على عهد من الإمام السابق إلى الإمام اللاحق، فهذه شروط الابتداء وليست حالة الاختيار. فالاختيار تعبير عن واقع، والعقد إقرار لمصلحة. ولما كان النص كذلك في نشأته تعبيرا عن واقع بفعل أسباب النزول، وحفاظا على مصلحة بناء على مقاصد الشريعة، التقى الاختيار مع النص. فبالرغم من ثبوت الإمامة بالنص وبالعهد وبالإجماع إلا أن ذلك هو البداية فقط؛ أي مجرد افتراض أو اقتراح لا يتحقق إلا بالعقد والاختيار، ببيعة الأمة. فالنص والعهد والإجماع كل ذلك يقوم على حسن الاختيار للأمة. فالعهد يتم بحضور الرفاق، بعض أهل الحل والعقد، ولا ينكره أحد منهم، ومن حقهم الاعتراض على المعهود إليه؛ فالعهد اختيار ضيق قبل البيعة كاختيار موسع. وإن توفي الإمام دون أن يعهد إلى إمام بعده ينادي رجل مستحق لها فيدعوها لنفسه، ثم تأتي البيعة العامة اختيارا من الأمة وعقدا عليه. وفي هذه الحال لا يتحول النداء الذاتي إلى إمامة إلا بالبيعة العامة. فإذا ما عهد الإمام حين وفاته إلى اختيار إمام من كثير، فإن ذلك الاختيار يكون أيضا عقدا من الرفاق تتلوه بيعة الأمة. ويتم ذلك في أقصر وقت منعا للشقاق، وحرصا على المصلحة العامة. ولا يمكن تأجيل رضا الجماعة حتى في حال موت الإمام، أو الاقتصار على رضا الرفاق، أو استنادا إلى العهد دون بيعة عامة. وقد يعهد الأمر إلى رجل ذي شوكة وثقة، فيتولى عقد الجماع واختيار الإمام لجمع الآراء وعقد الحوار واختيار الأصلح.
35
والحقيقة أن كل هذه النظريات إنما هي تنظير لحوادث التاريخ وتبرير لوقائعه في كيفية اختيار الأئمة الثلاثة الأوائل اختيارا أم عهدا أم تفويضا، ومع ذلك يبقى التقابل بين التعيين بالنص والاختيار بالبيعة والعقد تقابلا نظريا يتجاوز حوادث التاريخ، ويعبر عن حقائق الواقع المستمر. (2-1) صفة العقد
لما كان كل عقد يشمل صفة العقد وصفة المتعاقدين، فإن صفة العقد هي أن يقع ممن يصلح للإمامة، ولا يكون ذا عهد من إمام وإلا يقارن هذا العقد عقد لمثله من يصلح للإمامة؛ أي به الشروط نفسها التي للإمام ولا يكون إماما. فلا يصح أن يعقد إمام لإمام أو أن يكون ذا عهد مع إمام أو أن يعقد لمثله. ويمكن معرفة من يصلح للإمامة عن طريق الشروط التي تتوافر في الإمام. والعهد يحتاج فقط إلى بيعة وقبول دون عقد، فالعهد من الإمام السابق إلى الإمام اللاحق بمثابة العقد الجديد. والعقد يكون واحدا حتى لا يعقد لإمامين في وقت واحد. ويقتضي العقد القبول والرضا عن طريق البيعة وإظهار الانقياد لذلك، فلا يكفي في الرضا مجرد التصفيق أو التهليل وإضمار المخالفة خوفا أو نفاقا، بل يتطلب القبول، والقبول صراحة دون تأويل. وقد يقبل عقد دون قبول؛ إذعانا للمصلحة العامة، وتسليما بإرادة الغالبية.
والبيعة تجب النص، وتقوم على الاختيار الحر؛ فالنص لا يعين أحدا، خاصة لو كان نصا من الوحي، وحتى لو كان متفقا مع البيعة. ومع ذلك لا يجوز إثبات العقد والاختيار عن طريق إبطال التعيين بالنص، كما أنه لا يجوز إثبات التعيين بالنص بإبطال العقد والاختيار. فهذا هو برهان الخلف، إثبات الشيء عن طريق إبطال نقيضه، وهو برهان سلبي خالص لا يكفي للإثبات؛
36
لذلك اشتمل الاختيار على ثلاثة جوانب لا اثنين فقط: ماذا تعني البيعة؟ من هم المبايعون أو الذين لهم حق العقد والاختيار؟ ما الدليل عليه؟ فإذا كان من يصلح للإمامة لا يصبح كذلك إلا بعقد يصير به إماما، وبتوافر شروط معينة، فإن الشروط وحدها تحقق المساواة بين الأئمة، إلا أن ما فصل بينهم هو الاختيار. هناك إذن مقياس موضوعي واختيار حر بين متعادلين؛ فالإمامة عقد وبيعة واختيار . والتعيين غير ثابت بالنص، بل بالاختيار؛ وبالتالي كان عقدا وبيعة. ويقوم الاختيار على الاجتهاد وإعمال الرأي والتفضيل.
Page inconnue