De la Croyance à la Révolution (5) : La Foi et l'Action - L'Imamat
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
Genres
42
وقد ساهمت في ذلك عوامل عدة، منها عامل حضاري، وهو فعل الحضارات القديمة الدخيلة، وضرورة الرد عليها. ومنها عامل اجتماعي فقهي؛ أي فعل الأحداث الجديدة، وضرورة فهمها، واستنباط أحكام لها. ومنها عامل سياسي، أي التعبير عن الصراع بين السلطة والمعارضة. كما يتطلب ذلك معرفة الظروف القديمة التي أدت إلى نشأة الحضارة وكيفية نشأتها، ثم معرفة الظروف الحالية التي يمكن أن تساعد على نشأة حضارة جديدة، ثم مقارنة بين المرحلتين. فإذا تشابهت الظروف تشابهت الحلول والمواقف الحضارية، وإذا اختلفت الظروف اختلفت أيضا الحلول والمواقف، وتحتم إعادة الاختيار من جديد. وهنا تبدأ عملية تنقية التراث ونقد التراث، وإعادة الاختيار بين البدائل.
43
وبناء على ذلك حاولت الحركات الإصلاحية الحديثة إعادة وصف نشأة علم الكلام وتطوره لتصفيته من شوائبه التاريخية، والتوقف في مسائله العقائدية التي لا ينتج عنها أثر عملي لتغيير الواقع الحالي، بل والتي قد ينتج عنها أثر مضاد.
44
كما تهدف بعض الحركات الإصلاحية إلى العودة إلى الوحدة الأولى بطريق صحي تقضي على هذا التشتت والتفرق، وتعيد الوحدة الوطنية. فإذا كان الغرض من ذلك التوحيد بين المذاهب، فلا يعني ذلك التوحيد بين الجماعات، وتحقيق نوع من المصالحة الوطنية بين عدة قوى اجتماعية، بل يعني توحيد الفكر ذاته، والرجوع إلى الأصول الأولى وإعادة تفسيرها بناء على متطلبات الواقع، وتخليص المذاهب الفكرية من الوقائع التاريخية القديمة التي سببت نشأتها.
45
لذلك لا يعتبر ظهور الحركات الفكرية داخل الحضارة الإسلامية بدعا وأهواء، فذلك حكم قيمة وليس حكم واقع، بل هي حركات طبيعية عبرت عن البيئة الثقافية التي انتشر فيها الدين الجديد بأسلوب هذا الدين، وهي عملية حضارية طبيعية.
46
فقد نشأ علم الكلام كنظرية في العقل، ومحاولة لتنظير الأحداث، وإيجاد الأدلة والبراهين، وهو ما يسمح به الوحي ذاته، بخلاف مراحل الوحي السابقة التي لم يستطع العقل تنظيرها، وكان السبيل إليها العاطفة والقلب والانفعالات، أو الإرادة المطلقة التي لا تبرير لها.
Page inconnue