De la Croyance à la Révolution (5) : La Foi et l'Action - L'Imamat
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
Genres
66
فإذا كان العقل أساسا للنقل فمن المستحيل تكفير القول بالواجبات العقلية، أو تبرئة الله عن فعل القبائح، وتنزيهه عن فعل الشرور والآثام، أو الصلاح والأصلح، والغائية والعلية، أو اللطف والألطاف، أو العوض عن الآلام. فما العيب في الإنسان العاقل؟ أليس الحسن والقبح العقليان أفضل من الحسن والقبح الحسيين وأوسع نطاقا وشمولا؟ وما الضرر في العقل الغائي؟ ما العيب في ارتباط أفعال الله بمصلحة الإنسان وتبرئة الله عن الشرور والظلم والقبح؟ وما الضرر في اعتبار الإنسان حرا مسئولا، وأن الخير والشر من فعله بدلا من نسبتهما إلى الله وتدمير حرية الإنسان، أو تبرئة الله واتهام الإنسان؟ وأيهما أفضل في تصور العالم؛ العشوائية أم الغائية، اللامعقول أو العلية؟
67
إن عقائد الفرقة الناجية إنما هي دفاع عن الله، في حين أن عقائد الفرق الهالكة إنما تدافع عن الإنسان. وإلى أي الدفاعين نحن أحوج؟ ويؤدي الدفاع عن الله إلى الدفاع عن السلطان؛ فكلاهما دفاع عن السلطة المطلقة، فتختلط السلطتان، سلطة الله وسلطة السلطان، في أذهان العامة وفي نفوس الجماهير. في هذا التصور لا وجود لقانون معروف مطلق وشامل، بل يوجد قانون مشخص بإرادة السلطان. لا وجود للغائية والقصدية، لا وجود للمراجعة والتظلم، أو الرقابة والسيطرة الشعبية، لا وجود للعدل كمقولة بعد أن ابتلعها التوحيد من جديد، وأصبح مسيطرا على كل شيء. لا وجود للثورة على الظلم بعد أن أصبح كل واقع في العالم عدلا.
68
فكيف ينجو الإنسان بنفسه بعقائد الفرقة الناجية؟ ولم الاتهام بالضلال وللقول بأن الإنسان هو الروح، وأن البدن آلتها؟
69
أليست هذه هي النظرة المثالية السائدة عند كل الفرق وفي إيمان العوام والموروث العقائدي للأمة؟ ألا يتفق هذا التصور مع النظرة المثالية للعالم؟ إن عقائد الفرقة الناجية إنما تمت صياغتها من وجهة نظر الله، فيضع المتكلم نفسه مكان الله وينظر إلى العالم، فيراه ذاتا وصفاتا وأفعالا، ويرى إرادته المخالفة لإرادات الناس، ويراه الآمر والناهي في الأشياء، ويرى كل ما في العالم خاضعا له. بينما تمت صياغة عقائد الفرق الهالكة من وجهة نظر الإنسان، فيرى المتكلم ذاته محضة لا يمكن ردها إلى صفات أو إلى أفعال، ويرى الإنسان حرا مريدا قادرا له عقل يدرك به الحسن والقبح. فالفرق الهالكة أقرب إلى الموقف الإنساني، أما بالنسبة للفرقة الناجية، فالله وحده هو القادر على إثباتها؛ لأن عقائدها متضمنة في العلم الإلهي. الفرق الهالكة أقرب إلى التواضع ووصف الأمور على ما هي عليه، في حين أن الفرقة الناجية أقرب إلى الغرور والادعاء وهي يتصف الأمور من خارج الموقف الإنساني، فتنتهي إلى تحطيمه، وتقع في الاغتراب. فإذا ما قارنا فترتين من التاريخ، كل منهما تعبر عن روح العصر وروح الحضارة، الأولى عصر الازدهار، والثانية عصر الانهيار، لوجدنا أن الإجماع السابق إنما نشأ في عصر معين، في مجتمع منتصر عبر عن نفسه في نسق عقائدي مركزي، لاهوت القوة والسيطرة والخضوع والطاعة. كل شيء يدور في كنف هذه السلطة المركزية ممثلة في الله أو في السلطان أو في الأمير أو في رب الأسرة. ولما كانت روح العصر وروح الحضارة قد تغيرا حاليا نفسيا واجتماعيا، أصبح هذا اللاهوت القديم أحد أسباب مآسيه، يستغله الطاغية لتركيز سلطانه في نفوس الناس. وما أسهل انقياد الجماعة للطاغية إذا كان لديهم من قبل الاستعداد النفسي لذلك. وفي هذا العصر حيث بدأت حركات التحرر، ينشأ لاهوت التحرر أو لاهوت الثورة، وينشأ إجماع جديد؛ إذ إن لكل عصر إجماعه يعبر عنه وعن مصالح الناس، يثبت القدرية على خلق الأفعال وسلطة العقل وحق الجماعة وضرورة الثورة على الظلم ورفض السلطة المركزية، وما يتبعها من خضوع وطاعة وولاء. (3) هل هناك تكفير في السمعيات (النبوات)؟
تشمل السمعيات موضوعات أربعة: النبوة ؛ أي تاريخ البشرية في الماضي وتطور الوحي. والمعاد؛ أي مستقبل البشرية وإمكانية حياة أخرى بعد الموت. والإيمان والعمل. وأخيرا الإمامة. وكلها من السمعيات التي لا يجوز تكفير أحد فيها؛ لأنها لا يمكن إثباتها بالعقل. فإذا جاز تكفير أحد في الإلهيات، أي العقليات، لأنها من القطعيات، يستطيع الإنسان أن يصل فيها إلى يقين، فإنه لا يجوز تكفير أحد في السمعيات، أي النبوات؛ لأنها من الظنيات التي لا يستطيع الإنسان أن يصل فيها إلى يقين نظرا لاعتمادها على النقل فقط، والنقل لا يعطي إلا الظن، والظن لا يغني من الحق شيئا؛ وبالتالي فإن تكفير الفرق الضالة في السمعيات هو في ذاته خروج على عقائد الفرقة الناجية. (3-1) تطور الوحي (النبوة)
ففي موضوع النبوة، ما العيب في القول بأن نظم القرآن ليس بمعجزة في ثقافة تقوم على الإبداع الشعري واللغوي؟ ولماذا لا يكون الإعجاز خارج النظم في الفكر والتشريع والمنهج، وهو ما لم يعرفه العرب كثيرا من قبل؟ وما الذي يمنع الإنسان من أن يثبت جدارته، قابلا التحدي، قادرا على النظم شعرا وإبداعا وخلقا متشبها بالله دون تقليد للقرآن ما دام الإعجاز ليس في النظم بل في الفكر، ليس في الصورة بل في المضمون؟ ليس القرآن كتاب تحليل وتحريم، بل كتاب فكر، وليس الغرض منه تغليف العالم بقوانين وتقييد السلوك الإنساني بقواعد، بل مساعدة الطبيعة على الازدهار، والحياة على النماء. وإن إنكار سورة منه مثل سورة يوسف نظرة تطهرية صرفة، وكأن الجنس عيب وتحليله رذيلة، وكأن الصمت فيه واجب والتستر عليه فضيلة. وإذا كان القرآن حادثا فهو جسم؛ وبالتالي ينطبق عليه التحول إثباتا لدخول الوحي في العالم، قراءته وسماعه بالصوت، وكتابته ورؤيته بالحرف، وفهمه بالذهن، وتطبيقه بالفعل. فما دام القرآن قد نزل فقد أصبح جزءا من العالم ولم يعد صفة أزلية للذات الإلهية كما هو الحال في الكلام. وكلما ركزت الفرقة الناجية على الكلام الأزلي والقرآن القديم، حدث رد فعل عند الفرق الهالكة بإثبات الكلام في العالم والقرآن الحادث. وما أسهل أن يولد الدفاع عن حق الله دفاعا مضادا عن حق الإنسان. ولماذا إثبات كرامة الأولياء وتعميم المعجزة على غير الأنبياء؟ أليس ذلك خرقا لقوانين الطبيعة، وإيهاما للناس، وقضاء على العقل والفعل والمبادرة والمسئولية الفردية؟ وكأن من الطبيعي أن يولد تركيز الفرقة على الأنبياء كدليل على صدق النبوة واستمرارها في الأنبياء قول الفرق الهالكة بجواز بعثة الرسل بلا دليل.
Page inconnue