De la Croyance à la Révolution (5) : La Foi et l'Action - L'Imamat
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
Genres
والأمور كلها تشبيه في تشبيه، إنما الخلاف في الصياغات، واختلاف الإحساس بها طبقا للعواطف الدينية . تؤدي حرية الإنسان إلى استحقاقه للمدح أو الذم، وقانون الاستحقاق لا يخرق لأنه نتيجة للحرية. وإذا كان الإنسان خالق أفعاله، وعلى ذلك يتم الاستحقاق، فما المانع القول كإحدى مسلمات التوحيد ومقتضيات العدل بأن الله لا يقدر على ما يقدر عليه الإنسان؟ فالله هو العلم والاتساق والواجب والصدق، أي إنه المبدأ النظري، في حين أن الإنسان هو الفعل والتحقق، أي الواجب العملي. لا تعارض إذن بين الإنسان الكامل والإنسان المتعين، بين المثال والواقع. هذا التفرد للإنسان إنما يتم بخلق الأفعال؛ وبالتالي لا يمكن وأد المولود الجديد باسم الأب الذي منه تولد. إن إرادة الله لفعل الإنسان تعني فقط أنه أمر به أو أخبر عنه، لا أنه فعله وقام به بدلا عنه، وإلا لزاحم الله الإنسان، ولنافس الأب الابن. وكيف يتولد الابن ويمنع عنه الماء والهواء؟ وإذا كان الله لا يقدر على ما أخبر بعدمه أو علم عدمه، في حين أن الإنسان قادر عليه، فليس ذلك تعجيزا لله وإثباتا لقدرة الإنسان الفائقة، بل لأن الله هو التطابق والاتساق؛ تطابق النظر والعمل، اتساق الفكر والوجود، في حين أن في الإنسان هناك توترا بين الاثنين. فالإنسان قادر على أن يفعل ما لا يعرفه بعد، ويعلم ما لم يفعله بعد. هذا هو التمايز بين الإنسان الكامل حيث يتطابق المثال والواقع، وبين الإنسان المتعين حيث يتغايران. ولما كان العقل والصدق متناقضين، وكان الإنسان الكامل هو التطابق والاتساق، فإنه لا حرج من القول بأن الله يقدر على ذلك كله. وخطأ الصياغتين هو افتراض تعارض القدرة والعقل، وكلاهما صفتان متسقتان في الإنسان الكامل. وإن كفر إعطاء الأولوية للعقل على القدرة ليس بأكثر من الكفر الناتج عن إعطاء الأولوية للقدرة على العقل. وإذا كان العقل مداد الاتساق فإنه لا حرج أيضا، زيادة في التأكيد عليه، ورغبة في مزيد من التعين، من القول بأن الله لا يقدر على تعذيب الأطفال والمجانين. وإذا كانت الغاية من الإعجاز التحدي، فما المانع من قبول الإنسان الدخول في هذا التحدي، وجعل الإنسان قادرا على أن يأتي بمثل العمل المعجز؟ وهل التحدي محكوم عليه سلفا بعدم قدرة الإنسان الدخول فيه وقبوله والإتيان بالمثل؟ لو كان الأمر هكذا لما كانت هناك فرصة متكافئة بين الطرفين المتنافسين،
57
بل إن أية محاولة أيضا لأخذ قدرات أوسع في الاعتبار متشابكة مع القدرة الإنسانية، وذلك مثل قدرات الطبيعة بما فيها من دوافع وموانع يتم أيضا تكفيرها حتى يتم استئثار الله بكل القدرات. وكأن الإيمان لا يصلح إلا بهذا التصور الأحادي المطلق للقدرة. وقد يتولد الفعل من فعلين، وقد تتعلق القدرة بمقدورين أو قادرين، ولا يعني ذلك شركة في القدرة الإلهية، بل اعتراف بالقدرة الإنسانية وتشابكها مع باقي القدرات في الطبيعة، بل قد تتولد الأعراض في الطبيعة من تلقاء ذاتها دونما حاجة إلى قدرة إنسانية أو غيرها، فالطبيعة خالقة تكمن فيها الظواهر ثم تبدو تدريجيا أو بالطفرة.
58
وإذا ما ركزت الفرقة الناجية على الجوانب الغيبية في القدرة، فهل هو كفر من الفرق الضالة أن تركز على الجوانب الحسية، وأن تعتبر القدرة في سلامة البنية وتأثيرها في الطبيعة؟ ليس للإنسان فعل غير الإرادة، وكل ما سوى أفعال الإنسان حادثة بالطبيعة، بل إن الإرادة من الميل الطبيعي في الإنسان وليس خموله، يقظته دون سهوه وغفلته. وهل التركيز على طبائع الأشياء كفر، واللجوء إلى إرادة خارجية قاهرة تفعل ما تشاء كسلطان أعظم لا يرده أحد هو الإيمان؟ بل إن تصور أفعال الله تتم طباعا أقرب إلى الطبيعة الخيرة، حيث تكون إرادة الله تعبيرا عن حريته، لا كارها ولا مكرها؛ ومن ثم كانت حرية الإنسان خلق الله له في العالم، وأمره إياه دون إجباره وقهره، بل تركه لطبيعته الحرة المماثلة لطبيعة الخالق.
59
وهل الإيمان بالضرورة هو إثبات قدرة قادرة على ما لا يكون وعلى ما لا يعلم القادر، ضد حرية الإنسان وضد قانون الطبيعة؟ وهل الغاية من ذلك هي عتبة السلطان الجائر؟ فما أسهل بعد ذلك إذا ما قامت العقيدة بإعداد البناء النفسي للناس على هذا التسليم للإرادة وإنكار فعلها وقدرتها وحريتها، أن تستسلم لإرادة السلطان الجائر والرضوخ لأوامره.
60
وقد انتهى ذلك في العقائد المتأخرة إلى عودة العدل إلى التوحيد بعد أن خرج منه، وتدمير العالم كله، حرية الإنسان وقانون الطبيعة. وأصبح العالم دائرا بين قطبين؛ الأعلى موجب يستغني عن كل ما سواه، والثاني سالب مفتقر كل ما عداه إليه؛ وبالتالي تأسست أنظمة القهر في الذهن وفي النفس على أسس تصورية كونية خالصة قبل أن تتأسس في الواقع كأنظمة سياسية تعتمد على العسكر والجند.
61
Page inconnue