De la Croyance à la Révolution (5) : La Foi et l'Action - L'Imamat
من العقيدة إلى الثورة (٥): الإيمان والعمل - الإمامة
Genres
50
يصب التوحيد إذن في معترك السياسة، وتنتهي الوحدة الأولى إلى التفرق والتحزب، ويظهر التوحيد في الصراع السياسي بين الشرعية واللاشرعية. وهنا تبدأ مرحلة أخرى لكتابة التاريخ، تاريخ الانتقال من الوحدة إلى الفرقة، ومن الفرقة الناجية إلى الفرق الضالة. وهو في حقيقة الأمر الصراع بين السلطة والمعارضة، بين الدولة والخصوم، بين السلطان والخارجين عليه. ولما كان السلطان بعد انهيار التاريخ قد اغتصب البيعة، قامت المعارضة لإعادتها عقدا واختيارا. كانت المعارضة الأولى إذن مجرد محاولة لاسترداد الشرعية، ولولا تفتتها وانقسامها وتشرذمها وصراعها فيما بينها على السلطة لأمكن توحيدها والقضاء على السلطة الباغية. ومحاولة للسلطة للدفاع عن نفسها شهرت سلاح التكفير ضد الخصوم، وتوحدت بالفرقة الناجية، واتهمت خصومها بالكفر والضلال.
51
خاتمة: من الفرقة العقائدية إلى الوحدة الوطنية
بعد انهيار الإمامة في التاريخ، وانحدار التاريخ تدريجيا من جيل إلى جيل، وتحول الخلافة إلى ملك عضود، وتناقص الفضل في الأئمة، والابتعاد عن عصر النبوة، وترتيب العلماء في طبقات من الصحابة إلى التابعين إلى تابعي التابعين، يكتب تاريخ علم أصول الدين من هذا المنظور في «تذييل للإمامة» كخاتمة لها أو كأصل مستقل عنها. وإذا كانت الإمامة في التاريخ تسير في خط هابط، من الكمال إلى النقص، ومن الحق إلى الباطل، ومن النجاة إلى الضلال، ومن الوحدة إلى التفرقة، فإن الماضي يحتوي على الحق والصدق أكثر مما يحتويه الحاضر أو المستقبل. ولا يمكن بلوغ هذه الفترة الأولى لأنها فريدة في التاريخ لا تتكرر، والزمان لا يرجع إلى الوراء؛ ومن ثم كان الانهيار يعبر عن ضرورة تاريخية لا مهرب منها ولا مفر. وينتهي ذلك إلى رفض الحاضر والإقلال من شأنه، بل ومعاداته واليأس منه ورفض تطويره، ثم العيش بالوجدان في عصر ذهبي ماض لا يمكن العودة إليه إلا بالخيال؛ فينتهي الأمر إلى انفصام في الشخصية الوطنية بين واقع مزر، وماض مزدهر، ومستقبل ينازعه الانهيار المستمر أو العودة به إلى الماضي، وكلاهما مستحيل. ينتهي الأمر كله إلى وقوع في ثنائية الحق والباطل، الإسلام والجاهلية؛ مما ينتج عنه التغيير إما بالجمعيات السرية أو الاغتيالات السياسية، أو بتدبير الانقلابات حتى يمكن أن تتحقق العودة إلى الماضي واللحاق بالعصر الذهبي اعتمادا على أنه لا يصلح هذه الأمة إلا بما صلح به أولها.
1
ولما كان علم أصول الدين قد دون بطريقتين؛ إما كعلم للعقائد، وهي الطريقة التي كتب بها هذا المصنف «من العقيدة إلى الثورة»؛ أو كتاريخ للفرق؛ فقد تحول تاريخ الفرق ابتداء من القرن الرابع إلى موضوع في علم العقائد كتذييل للإمامة أو كملحق لها، كدليل على الانهيار في سورة التشرذم والتفرق والتبعثر، والقضاء على الوحدة الأولى التي كانت في العصر الأول، عصر النبوة والخلافة، قبل أن تتحول الخلافة إلى ملك وإمارة؛ لذلك قد يأتي التذييل التاريخي بعد الإمامة في باب «اللطائف» والطبيعيات لبيان نشوء التفرقة عن وحدة الفكر الأولى.
2
وقد يتحول هذا التاريخ إلى إدانة؛ إذ تصدر الفرقة الناجية أحكاما بالكفر على الفرق الضالة الهالكة؛ مما يستبعدها من الجماعة ويحاصرها فيها. فالحكم بالكفر العقائدي إنما يترتب عليه تحديد العلاقات الاجتماعية بالقطيعة بين الفرق الضالة وسائر الأمة. وعلى هذا النحو يصبح تاريخ الفرق جزءا من نسق العقائد كملحق للإمامة، كما أن الإمامة كلها ملحق للتوحيد، وكأن السياسة والتاريخ ملحقان للعقائد ولا يدخلان في جوهرها؛ وبالتالي يمكن استرداد تاريخ الفرق، وهي الطريقة الثانية التي كتبت بها العقائد داخل علم العقائد، الطريقة الأولى؛ وبالتالي يتحول التاريخ إلى بنية، والتطور إلى نسق، وتكتمل مادة العلم بشقيها في بنية واحدة.
3
Page inconnue