De la croyance à la révolution (3) : La justice
من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل
Genres
والحقيقة أن الفعل المروي دليل على حرية الإنسان لا على خلق غيره. لما كان الإنسان حرا فإن حريته تتعدى حدود تخطيطه وقصده، ولكن يظل الفعل غير المروي في نطاق الحرية.
114
وما الحكمة من تدمير القصد؟ وهل تنتهي كل الأفعال القصدية إلى هراء وعبث؟ وهل كان كل تخطيط إنساني مسبق مصيره إلى الفشل؟ فإذا ما تم فعل قصدي يظل الإصرار قائما في نظرية الكسب من أن الإنسان ليس صاحبه وكأن الإنسان مهما فعل فعلا قصديا أو غير قصدي ومهما أوتي من جهد وبذل من مجهود فإنه لن يكون صاحب فعله في نهاية الأمر؛ يقف له المتكلم الأشعري بالمرصاد لينتزعه منه ويسلبه إياه ويعطيه لغيره. ويكون السؤال لحساب من يعمل المتكلم، لحساب الإنسان أم لحساب غيره؟ وماذا سيكسب نظير هذا السلب؟ أسلطة دينية ومنصبا وزاريا وترؤسا على رقاب العباد ينتهي بالثورة العارمة من الجماهير عليه وعلى أصحابه ورؤسائه وعلى السلطة بأكملها تأكيدا لحرية الإنسان وحرية الشعب، ورفعا للوصاية، وتحررا من كل صنوف القهر والتبعية؟ ومع ذلك فالفعل الواقع بخلاف القصد ليس هو الفعل الأمثل كالفعل المروي المقصود. ولكن تعتبر نظرية الكسب أن الفعل غير الفعل غير المروي فعل حقيقي لأنه مخلوق من المؤله المشخص. الكسب هنا هدم للعلم والعقل وللدليل وللنظر، وكأن وقوع الفعل من الإنسان حسب العلم ليس ضرورة عقلية بل مجرد عادة، في حين أن وقوعه من المؤله المشخص بداهة لا تحتاج إلى دليل.
115
وهناك فرق بين أفعال الشعور وأفعال الجوارح، بين أفعال الأعضاء وأفعال الوجود. كل منها يقع طبقا للقصد أو على خلاف القصد؛ فكثيرا ما رمى الإنسان إلى تذكر شيء فيتذكر شيئا آخر أو إلى تخيل شيء فيتخيل شيئا آخر. وكثيرا أيضا ما أراد الإنسان أن يصيب أحدا فيصيب شخصا آخر، أو أن يفعل شيئا حسنا فيحدث شيئا قبيحا. وكثيرا ما قصد الإنسان أن يسير يمنة فيسير يسرة على غير وعي منه. بل إن كثيرا من أفعال الأعضاء أفعال شرطية وخالصة أو ردود فعل عكسية. وكثيرا ما كانت أفعال الوجود التي تعبر عن المصير قائمة على تعصب وليست على القصد المطلوب. ولا يحتاج الإنسان إلى إثبات فاعل آخر غيره بجدل طويل قائم على أن لكل فعل محدثا بطريقة الرجوع إلى الوراء. كما لا تحتاج الدواعي إلى إثبات دواعي أخرى سببتها وأنشأتها حتى تصل إلى دواعي بدون دواعي. هذا التفكير عن طريق الرجوع إلى الوراء والانتهاء إلى نقطة بداية لا بداية لها هو في الحقيقة عاطفة تأليه وليس فكرا عمليا؛ لأن الدواعي تنتهي في الجماعة؛ فهي مصدر بواعث الإنسان على الفعل. وفي النهاية ما المطلوب إثباته؟ الجبر أم حرية الإنسان؟ إن كل هذه التجارب الموصوفة لا تعني بالضرورة وجود أية إرادة خارجية، بل تعني أن الإنسان نسيج وحده، وأنه هو حريته التي يظهر فيها القصد وغير القصد، الوعي وغير الوعي. فالإنسان حر أيضا في حريته، وهو إمكانية فعل تتحقق بتحقق الدعوة، وفي هذا التحقق تأكيد لحريته وتحرره من بقايا القهر الاجتماعي.
والتفرقة في نظرية الكسب بين الفعل الإرادي والفعل اللاإرادي مثل التفرقة بين الكسب والاضطرار أو بين الفعل المروي وغير المروي مع التركيز هذه المرة على دور الإرادة وليس القصد. فالفعل الإرادي هو الفعل الذي تتدخل فيه قدرة الإنسان بالإتيان أو بالمنع، بالزيادة أو بالنقصان، في حين أن الفعل اللاإرادي هو الفعل الشرطي الذي يحدث نتيجة لبناء العضو. فإذا كان الفعل الإرادي يثبت للإنسان القدرة، فإن الفعل اللاإرادي لا يثبت للإنسان الضعف أو تدخل أية قدرة خارجية تحيل الضعف إلى قوة أو تحدث الفعل؛ لأنه فعل عكسي خالص مرهون ببناء العضو.
116
ولماذا الالتجاء إلى فاعل آخر يفعل أفعال الإنسان مطابقة لقصوده ودواعيه؟ لماذا لا يكون الإنسان نفسه صاحب أفعاله والقائم بها مطابقة لمقاصده ودواعيه؟ إن التفسير بالإنسان كاف، واللجوء إلى علة أخرى بعيدة فائض عن الحاجة. بل إن هذا اللجوء ذاته نقص في تصور المؤله المشخص الذي إن أراد أن يخلق فعلا فإنه ما زال يحتاج إلى خلق دواعي وقصود للتمويه على الإنسان بأنه الفاعل أو يهدم الدواعي والقصود للتشفي من الإنسان والركوب عليه. إن الفعل القصدي أثمن ما لدى الإنسان من فعل، فهو الفاعل المتأمل، فكيف حتى هذا الفعل يكون حادثا بفاعل آخر؟ وكيف تثبت التفرقة إذن بين الفعل المروي والفعل غير المروي ما دام كلاهما من خلق فاعل آخر؟
117
ولماذا تكون الأفعال والدواعي من خلق خارجي؟ الأفعال تتحقق بالإرادة وتثبت من موقف الإنسان من الجماعة. وإن خلق الدواعي من الله في الإنسان يجعل الفعل ضروريا ولا محالة واقع.
Page inconnue