De la croyance à la révolution (3) : La justice
من العقيدة إلى الثورة (٣): العدل
Genres
وهناك ثلاثة تعريفات للرزق: الأول: الرزق هو الملكية، ورزق الإنسان هو ما يملكه الإنسان؛ ومن ثم لا ترزق البهائم لأنها لا تملك، أما مصدر الملكية فهي إما الحيازة أو الإرث أو المبايعة أو الهبة، وكلها مصادر شرعية! والسؤال الآن: ألا توجد ملكية عن طريق السرقة والاغتصاب؟ وماذا عمن لا يملك؟ أليس له رزق؟ وكيف يأكل ويعيش؟ وماذا عن الملايين المعدمة التي لا تملك شيئا؟ إن تحديد الرزق بالملكية أي بالاستحواذ هو تأكيد على الملكية كمصدر رزق بصرف النظر عن أنماط الإنتاج أو علاقات الإنتاج كطرق للكسب.
58
مع أنه في أصل الشرع لا وجود إلا للملكية العامة، فالله وحده هو المالك، والله وحده هو الوارث، والإنسان مستخلف فيما أودعه الله بين يديه، له حق التصرف والانتفاع والاستثمار وليس له حق الاستغلال أو الاحتكار أو الاكتناز، يبدو أن الأشعرية تنسى أن علم الأصول واحد بشقيه، أصول الدين وأصول الفقه، وتذكر الله عندما يتعلق الأمر بحق الله وتنساه إذا ما تعلق الأمر بحقوق الناس!
والمعنى الثاني هو كل ما يأتي الإنسان، سواء كان حلالا أم حراما، وأحيانا يتم التضييق فيصبح فقط ما لم يحرم تناوله، في المعنى الواسع الرزق كسب حلال أم حرام؛ لذلك نشأ السؤال التقليدي: هل يرزق الله عباده الحرام؟ والغرض من السؤال ليس الإجابة عليه بنعم أو بلا، بل إعطاء فرصة أخرى لعواطف التأليه؛ فالذات المشخصة تمثل القيمة المطلقة ولا تفعل إلا الخير، فلا يرزق الله إلا الحلال، كما يدل على رغبة في البحث عن أساس نظري للفعل خارج الفعل ذاته وبعيدا عن الموقف الإنساني الذي يحدث فيه الفعل، فهو سؤال يقوم على افتراض الجبر وعلى إمكانية تدخل قدرة مشخصة من تقدير الإنسان للموقف وسلوكه فيه، وكيف يكون الحرام رزقا وهو يستحق عليه العقوبة؟ وكيف يكون الحرام رزقا خاصة وأن كل ما هنالك هو أنه يستحق العقوبة؟ ولماذا لا يمنع الرزق الحرام من الأساس؟ إن اعتبار الحرام رزقا يفصل بين الواقع والقيمة، ويكون ذريعة للكسب الحرام واعتباره رزقا، إن الدفاع عن الرزق الحرام وجعله جزءا لا يتجزأ من الرزق يعطي ذريعة للمجتمعات الحالية لتحليل الحرام وتحريم الحلال، وهي التي تعاني من أوضاع الفقر والغنى، والشبع والجوع، والاستغلال والاحتكار، إن الحلال والحرام من المسائل الاقتصادية يفيدان معنى الفعل القائم على الجهد والقيمة في مقابل الفعل القائم على الاستغلال، كما يشيران إلى قوانين السوق وقواعد الكسب ونظم الاقتصاد وقوانين الدولة، إن الذي يسمح بالتلاعب في الأرزاق والأسعار والتحايل على القوانين من أجل سلب الغير عملهم ومن أجل استغلالهم هي طبيعة النظام الاجتماعي والسياسي والاقتصادي الذي يعيش فيه الإنسان ومدى ولاء الإنسان له أو تحايله عليه وتمثيله لحقوقه أو استغلاله، وليس قوة خارجية تمنع الفاضل منه وتدفع الشرير نحوه، هو النظام الذي يعيش الإنسان فيه والذي يعمل الإنسان إما على إبقائه أو على تغييره، إن الحديث عن الرزق الحرام باعتباره رزقا هو إحساس بفعل الاستغلال إما نفيا أو إثباتا، نفيا بالإيحاء بالاقتراب عنه وإثباتا بالإيحاء بالابتعاد عنه طبقا للمثل الشعبي «يكاد المريب يقول خذوني»، ومهما كانت هناك من حجج عقلية فإنه يبدو فيها التشريع للنهب والسلب مثل الاعتماد على أن ما أكلته الدابة وما أخذه اللص رزق، فالإنسان ليس دابة وليس لصا، الإنسان ذو عقل ووعي وعمل وجهد، وكيف تدافع الأشعرية عن الرزق الحرام دون التأكيد على أن الرزق الحلال وحده هو الرزق، وهل انعدم الرزق الحلال وعم الرزق الحرام؟ وماذا عن المحرومين الذين ليس لديهم لا هذا ولا ذاك، لا رزقا حلالا ولا رزقا حراما؟
59
وكيف يرزق الله الحرام؟ لذلك استعمل المتأخرون مفهوم الحلال المباح الذي لا يبحث عن أصله واعتباره رزقا هكذا بفعل الوجود، ثم تضفي عليه الشرعية ويصبح مباحا بنص أو إجماع أو قياس جلي حتى يحدث الاطمئنان الداخلي الإيماني الشرعي الضروري للوضع الخارجي الاجتماعي اللاشرعي. فتحدث السرقة باسم الدين، ويتم الكسب الحرام تحت غطاء الإيمان، والحاكم مطمئن والمحكوم قانع.
60
لذلك كان من الطبيعي أن يكون الرزق هو الحلال وحده دون الحرام توحيدا بين الشيء والقيمة، فالحرام ليس رزقا يتغذى به الجسم كموجود طبيعي. ليس الرزق هو المواد الغذائية، بل طريقة كسبها والعمل وراءها، أي أنماط الإنتاج وعلاقات الإنتاج قبل أن يكون هو الشيء المنتج، ليس الرزق غذاء وملكا، أي غذاء ومسكنا وملبسا، ما يدخل في بطن الإنسان، وما يكون فوقه أو تحته أو يمينه أو يساره أو أمامه أو خلفه. الرزق هو جهد الإنسان ونتيجة عمله وفائض قيمته، ليس الرزق ما يقيم الأود فحسب، بل هو أيضا رغد العيش ورحابة الحياة رفعا لمستوى الفقراء ومساواة لهم بالأغنياء لو وجهت الدعوة إلى الجميع فقراء وأغنياء وليس إلى الأغنياء وحدهم، إن الذي يحدد كون الكسب من الجهد الذاتي أو من الاستغلال للآخر هي الأوضاع الاجتماعية والسياسية والاقتصادية، وهو ما لم يتعرض له القدماء قصدا لأنها من الفروع أو من المطولات، وكأن الأصول هي مجرد الموضوعات النظرية الخالصة كالذات والصفات، وأن كل ما يمس صالح الناس من المطولات، ويكفي أنها من اختصاصات الله أو السلطان، والحقيقة أنه يمكن معرفة منطق أحكام الشعور الاجتماعي، الأرزاق والأسعار، وما يتعلق بها من نشاط اقتصادي وتوزيع الثروات ومعرفة مظاهر الاغتصاب والاحتكار والاستغلال. وبالتالي يكون علم أصول الفقه أقرب إلى تحقيق التوحيد من علم أصول الدين عند الأشعرية.
61
والمعنى الثالث للرزق هو المنتفع به؛ فالرزق ما ينفع الإنسان ولا يرزق الإنسان ما يضره، ولكن ما مدى هذا الانتفاع وحدوده؟ متى يتحول الانتفاع إلى أثرة وأنانية واستغلال؟ وهل ترتزق البهائم لمجرد انتفاعها؟ وما هي شروط الانتفاع؟ هل يجوز الانتفاع بما ليس ملكا؟ هل يجوز الانتفاع بالاغتصاب وهل كل انتفاع رزق؟ هل الأطعمة والأشربة والأقوات رزق أم حق طبيعي؟ ومع ذلك قد تبدو للانتفاع بعض المزايا على تحديد الرزق بالمعنى الأول، أي بالملكية؛ إذ إنه يمنع الاحتكار لأنه ملكية بلا انتفاع، وهو أقرب إلى تحديد المعنى الشرعي للملكية بأنها حق التصرف والاستثمار والانتفاع، وتعريف الرزق بالانتفاع هو تنويع على تعريفه بالملكية؛ فالرزق اثنان، انتفاع وملك، مشاع وخاص.
Page inconnue