فما هي إلا أن يأخذني الخوف، فأجتهد في أن أقرب للإله من طريق النار على المذبح المضطرم، ولكن أفيستوس لم يكن يصعد من القربان في لهب صريح، إنما كان شحم الفخذ يتساقط على الرماد في دخان ونشيش، وكانت المرارة تصعد في الهواء بخارا، وكان عظم الفخذ يبقى عاريا يبله الشحم الذي كان يغطيه.
وكان هذا الصبي ينبئني بأن الفأل لا يظهر، وبأن الضحية لا تنبئ بآية ما، فإن هذا الصبي يهديني كما أني أهدي آخرين، والمدينة تشقى بهذا الشؤم وأنت مصدر هذا الشقاء، هذه المذابح التي هي بيوت الآلهة قد جللتها الطير والكلاب بقطع اللحم التي نهشت من جثة ابن أوديبوس.
ولذلك لا يتقبل الآلهة منا الصلاة ولا التضحية، ولا اللهب الذي يرتفع من أفخاذ الضحايا، وليس من بين الطير ما يبعث صوتا ينبئ بخير؛ لأنها قد امتلأت من شحم الإنسان ودمه .
فكر في هذا يا بني، إن الخطأ شائع بين الناس جميعا، ولكن الرجل الحكيم السعيد إذا أخطأ أصلح خطأه ولم يصر عليه، إن الإصرار يلد الهوج، أسمح للموتى، لا تعاقب جثة هامدة، أي نفع في أن تقتل مرة ثانية من ليس له حظ من حياة؟ إنما أتحدث إليك مخلصا؛ لأني شديد الحرص على مصالحك، وأي شيء أحب إلى النفس من نصيحة خالصة فيها النفع والفائدة.
كريون :
أيها الشيخ إنما أنتم جميعا كالنبالة، تتخذونني غرضا وتصوبون إلي سهامكم، بل إنكم لا تجنبونني تنبؤكم. أما أبناء أسرتي فقد باعوني وتخلوا عني منذ عهد بعيد. أغنوا أنفسكم، اشتروا معادن «سارد» كلها إن شئتم وذهب الهند أيضا.
فأما بولينيس فإنكم لن تدفنوه حتى ولو احتمل نسر زوس بقية جثته إلى عرش الإله في أولومب. كلا، سأحول دون دفنه لا أخشى في ذلك مثل هذا الإثم، فأنا واثق بأن أحدا لن يستطيع أن يدنس الآلهة. إن أمهر الناس أيها الشيخ تريسياس ليخفقون في خزي حين يتحدثون في مهارة بالمخجل من الحديث رغبة في المال.
تريسياس :
وا حسرتاه! أتعلم حقا! أتتصور ...
كريون :
Page inconnue