وبينا هو يطوف ذات يوم في جبال لبنان، بلغ مكانا عرف في ما بعد بهضبة بعل مرقد، فأعجب به: تلة تنهض كالشمخ الغض وكالنهد المتكبر، تدور حولها الأوداء، وترمقها قمم صنين والكنيسة، ويرنو لها المتوسط بألف عين متألقة، وتنسكب عليها الأضواء من أغوار السماء البعيدة.
ونظر، فإذا الأرض هنالك تنكشف عن صخر تغلغلت في حناياه ألوان الوزال والشقائق والخشخاش، وبقيت فيه على بهائها تعبث بكف الزمن الماحية.
فأخذ إزميلا وراح ينحت.
ينحت ليل نهار، يحدوه الشوق، ويستحثه الأمل.
فينفلت الحجر.
ثم يتكور الحجر.
ثم يشرق الشكل العجيب الفريد.
ويخر بعل أمام الصورة الحبيبة المحققة في الحجر الأبكم.
هو ذا المعبود ينقطع، والأجيال تنهض وتنهار، على معبود من نسج خياله ومن صنع يديه فتعرف السماوات حبا لم تشهد من قبل له نظيرا، إن كواكب لبنان وتراب التلة المقدسة تستطيع وحدها أن تقول لنا كم ذرف بعل مرقد من دموع، وكم مرغ على قدمي تمثاله جبينه العالي، وكم قضى من الأزمان يناجيه ويسترقه. وإن الحجارة هنالك والأدغال تهمس في أذني من يسمع: إن العذب الحار من لغة الحب أصداء باردة لأحاديثه، وإن الصلاة ذكريات من نجواه.
وبينا هو يوما في غمرة من الهوى والألم، إذا بالتمثال يرتعش، وينقل في الأرض رجلا، ويتمايل بين يديه أخف من النسيم.
Page inconnue