Milad Mujtama
ميلاد مجتمع
Maison d'édition
دار الفكر-الجزائر / دار الفكر دمشق
Numéro d'édition
الثالثة
Année de publication
١٤٠٦ هـ - ١٩٨٦م
Lieu d'édition
سورية
Genres
إن من الواجب أن نرى هذا النشاط في حيويته، نراه وهو يمنح الفرد القدرة على التكيف حسبما يعرض له من المواقف، ثم وهو ينتقل تحت رقابة نظام انعكاساته إلى المجتمع الذي يحيله نشاطًا مشتركًا بفضل شبكة علاقاته.
وخير طريقة نرى بها دليل التاريخ على الاحتمالات النظرية المتعلقة بمجتمع ما، هي أن نرى التاريخ نفسه في تكونه، أي أن نتتبع العملية المتصلة بتكوين مجتمع ما إبان ولادته.
فبهذه الطريقة نستطيع أن نشهد دور الدين في حيويته، وهو يحقق عمله الاجتماعي، بطريقة غير مباشرة، أو غير أساسية، حين يهدف إلى غاياته الخاصة: فالدين حين يخلق الشبكة الروحية التي تربط نفس المجتمع بالإيمان بالله، وهو يخلق بعمله هذا أيضًا- كما بينا- شبكة العلاقات الاجتماعية التي تتيح لهذا المجتمع أن يضطلع بمهمته الأرضية، وأن يؤدي نشاطه المشترك: وهو بذلك يربط أهداف الماء بضرورات الأرض.
فإذا قال الدين قوله سبحانه: ﴿وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ﴾ [الذاريات ٥١/ ٥٧] فإن الله ﷿ لم يرد بهذا القانون أن يفصل الناس عن الأرض، ولكن أراد أن يفتح لهم طريقًا خيرًا ليضطلعوا بعملم الأرضي.
والتاريخ يرينا مدى القدرة التي امتاز بها أصحاب الدين، وخاصة المسلمون، حين ساروا في هذه الطريق.
بيد أننا نعلم أن أول شيء في هذه الطريق هو تكوين نظام الانعكاسات الذي يغير سلوك الفرد، وهذا التغيير النفسي هو الذي يستهل حياة المجتمع، وهو أيضًا الشرط النفسي في كل تغيير اجتماعي.
أليس ذلك واردًا بوضوح في قوله تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ﴾ [الرعد ١٣/ ١١].
1 / 77