216

قلت: قد تقدم أنه لم يقصد بنسبة خلقها إلى الله تعالى إلا من حيث أنه أعان المطيع وخذل من علم منه الضلالة، وإلاعانة والخذلان مقارنان للفعل، ألا ترى أن من حاول نقل الثقيل ونحوه فإنه إن لم يقدر عليه يطلب المعونة على نقله، ولا تكون تلك المعونة حاصلة إلا إذا قارنت العمل وحيث طلبها من أحد ولم تحصل عند المحاولة للثقيل، فإن تاركها المتمكن منها يسمى خاذلا، فثبت أن أحمد بن عيسى عليه السلام لم يقصد بالمقارنة إلا من هذه الحيثية، وأما خلق الفهم والجوارح فقد صرح عليه السلام بتقدمها حيث قال: والحجة تلزمهم بما ركب من جوارحهم، وسلامتها من الآفات المانعة لهم، وهذه متقدمة قطعا، والحاصل أن نسبة خلقها إلى الباري ليس إلا من حيث الإعانة بمزيد الهداية والخذلان لا من حيث التمكين بخلق الجوارح ونحوها، على أنه لا مانع من نسبتها إليه تعالى مجازا من هذا الوجه إلا أنه غير مقصود هنا، وقد ذكر ذلك العلامة ابن أبي الحديد فإنه نص على أن الله تعالى مؤثر في كل شيء، قال: إما بنفسه أو بأن يكون مؤثرا فيما هو مؤثر في ذلك الشيء كأفعالنا فإنه يؤثر فينا، ونحن نؤثر فيها. ذكره في شرح النهج، بل لو قيل إنه أراد بهذه النسبة الحقيقة لم يبعد ويكون مقويا لما يأتي من التأويل الآخر لكلام الأئمة".

Page 216