وثيقة تاريخية يعتمد عليها الى حد بعيد- وبخاصة اذا اعتبرنا قلة المراجع التاريخية التى تناولت العصر الذي عاشه ابن الخطيب، وذلك فى أخبار كل من الاندلس والمغرب- الا أنه لا ينبغى أن نغفل الدوافع الشخصية، والنزعات النفسية للمؤلف أيا كان، فهذه وتلك لابد وأن يحسب حسابهما، ويقام وزنهما، فى تقييم مثل هذه الوثيقة التاريخية، لرجل وزير كابن الخطيب، قضى حياته بين تيارات السياسة، تتنازعه الاهواء والدوافع، يعطف على مسلكة البعض، وينقم على خطته البعض الآخر، وبالتالى يكون اتجاهه متباينا نحو كليهما، وما يصدق على الافراد يصدق على مجموعة منها تؤلف بلدا أو مدينة.
وللتدليل على هذا التأثر النفسى عند الكاتب، وانعكاسه على ما يحرره، نذكر أن ابن الخطيب نفسه قد صب جام غضبه على مدينة سلا المغربية، فى رسالته المسماة «مفاخرات بين مالقة وسلا»، رغم أنه أقام بها طيلة فترة النفى الاولى، قرابة ثلاث سنوات، واحتوته عزيزا مكرما، ولكن كان قد حدث احتكاك بينه وبين بعض الفقهاء من أهل هذه المدينة، الامر الذي ساقه الى تأليف رسالة خاصة، فى النيل من هؤلاء الفقهاء، وهى المسماة «مثلى الطريقة، فى ذم الوثيقة»، فى أسلوب يفيض اقذاعا ونيلا غير كريم من الخصوم، وعليه- بالتالى- فلم يكن من المنتظر أن يرتفع ابن الخطيب بمدينة سلا فى المفاخرات مع مالقة.
فنخلص من هذا الى أن ابن الخطيب لم يسلم- الى حد ما- من تحامل فى وصفه لبعض المدن الاندلسية والمغربية فى كتابه «معيار الاختيار»، وبخاصة عندما كان يتناول أحوال سكانها الاجتماعية.
بيد أن هذا التحامل الضئيل المفترض لن يطغى بحال على ما للكتاب من قيمة تاريخية كبرى، ولا يمنع الدارسين لتاريخ المغرب والاندلس- فى الفترة التى عاصرها ابن الخطيب- من الاستفادة من «معياره»
1 / 62