الاندلس بحياة مؤلف هذه المقامات، فقد روى ابن الابار «أن كثيرا من الاندلسيين سمعوا من الحريرى مقاماته الخمسين ببستانه ببغداد، ثم عادوا الى بلادهم، حيث حدثوا بها عنه»، ومن هؤلاء الحسن بن على البطليوسى المتوفى عام ٥٦٦ هـ (١١٦٩ م) وأبو الحجاج يوسف القضاعى البلنسى المتوفى عام ٥٤٢ هـ (١١٤٧ م) .
وقد تابع الاندلسيون الاشتغال بفن المقامة حتى نهاية عهدهم الاندلسى، أيام بنى الاحمر فى غرناطة، ومن أشهر أدباء هذا العصر الذين زاولوا هذا الفن الادبى الوزير لسان الدين بن الخطيب، بمقاماته العديدة التى أنشأها، والتى منها: الكتاب الذي نتعرض لدراسته هنا، وهو «معيار الاختيار»، ومقامته «خطرة الطيف، فى رحلة الشتاء والصيف» و«مقامة السياسة» وغيرها.
-*- وعلى ضوء ما أوجزنا بيانه عن «المقامة» ومقوماتها، ومدى صلتها بفن القصة العربية، وعن دور الاندلسيين فيها بالنسبة للمشارقة، نستطيع أن نزن كتاب «معيار الاختيار» فى هذا الميدان، فنقول: انه عبارة عن وصف قصصى، جاء فى صورة مقامة تقليدية، حاول بها ابن الخطيب- كما حاول فى غيرها- أن يجارى بها من سبقوه فى هذا الميدان، وفى سبيل ذلك حشد لها المزيد من فنون القول والبيان، وبخاصة مقدمة كل من المجلسين، ونهايتهما، حيث انصرف فيهما الى حد ما عن المعنى الى اللفظ مما أفقد المقدمة- خاصة- قيمتها الادبية، من أديب مثل ابن الخطيب.
ولكن عندما تناول صلب الموضوع، فانه- وان كان قد عنى بالاسلوب أيضا- الا أن الوصف للمدن عموما قد جاء تحفة فنية رائعة،
1 / 55