ثم يعود المؤلف بنا من مطافه الى الحمراء مرة أخرى، فيكشف لنا عن منشآتها الرائعة، وجناتها الساحرة، وكيف أنها مدرج سلالة بنى نصر، فيقول: «وتبرجت بحمرائها القصور مبتسمة عن بيض الشرفات، سافرة عن صفحات القباب المزخرفات، تقذف بالانهار- من بعد المرتقى- فيوض بحورها الزرق، وتناغى أذكار المآذن بأسمارها نغمات الورق.
وكم أطلعت من أقمار وأهله، وربت من ملوك جلة..»
أما مالقة- عاصمة الحموديين الادراسة- فيتحدث المؤلف- بادئ ذى بدء- عن تاريخها كعاصمة لهؤلاء فيقول: «كرسى ملك عتيق، ومدرج مسك فتيق، وايوان أكاسرة، ومرقب عقاب كاسرة، ومجلى فاتنة حاسرة، وصفقة غير خاسرة»، ثم يشيد بشهرتها الصناعية فى الفخار والحرير «.. ومذهب فخارها له على الاماكن تبريز، الى مدينة تبريز، وحلل ديباجها بالبدائع ذات تطريز» . وبعد أن يصور محاصيلها وفواكهها، وما اشتهر به قومها من الاسهام بالبر بأوفر نصيب، فى تخليص أسرى المسلمين من أيدى النصارى، ووفرة أعيانها وعلمائها- يتناول بعدئذ مساوئ المدينة، فيقول: «وعلى ذلك، فطينها يشقى به قطينها، وأزبالها تحيى بها سبالها، وسروبها يستمد منها مشروبها، فسحنها متغيرة، وكواكب أذهانها النيرة متحيرة.. وطعاما لا يقبل الاختزان، ولا يحفظ الوزان، وفقيرها لا يفارق الاحزان..» الى آخر هذه المساوئ التى أوردها عن مدينة مالقة.
وهكذا نرى أن موضوع الكتاب فى وصفه للبلاد الاندلسية أو المغربية قد اختط فيه ابن الخطيب موضوعية لا تبارى، وشمولا فى الوصف لمختلف النواحى، التاريخية، والجغرافية، والاجتماعية، والاقتصادية، فى صورة ناطقة نابضة.
1 / 48