La mort rend visite à Pemberley
الموت يزور بيمبرلي
Genres
وفي النهاية تحركوا، وكانت جين وإليزابيث وبينجلي والخادمان يرقبون رحيلهم من أمام الباب. ولم يتحدث أحد منهم، وبعد مرور بضع لحظات وحين نظر دارسي للخلف، رأى أن باب منزل بيمبرلي الكبير قد أغلق، وبدا المنزل وكأنه مهجور فكان هادئا وجميلا تحت ضوء القمر.
الفصل الثاني
لم يكن هناك أي جزء مهمل من أملاك بيمبرلي، لكن وعلى عكس المشجر لم تكن الغابة في الجزء الشمالي الغربي تحظى بالكثير من العناية، ولم تكن كذلك في حاجة إليها. فبين الحين والآخر، كان تقطع شجرة لاستخدامها في إشعال النار في الشتاء، أو لاستخدام خشبها في الإصلاحات الهيكلية للأكواخ، وكانت الشجيرات القريبة من الممر على نحو غير مناسب تقطع ويبعد جذعها. وكان هناك طريق ضيق عبدته العربات التي تحضر المؤن إلى مدخل الخدم، تصل بين بوابة الحراسة والباحة الواسعة في الجزء الخلفي من أملاك بيمبرلي، وكانت الإسطبلات تقع خلف تلك الباحة. ومن تلك الباحة، كان هناك باب في الجزء الخلفي من المنزل يؤدي إلى ممر وإلى غرفة السلاح، ومكتب مدير الأعمال.
كانت العربة المثقلة بالركاب الثلاثة والنقالة وحقيبتي ويكهام والكابتن ديني، تتحرك ببطء وقد جلس الركاب الثلاثة فيها صامتين، الأمر الذي اقترب بالنسبة إلى دارسي من خمول أو بلادة غير قابلين للتفسير. وفجأة توقفت العربة. وبعد أن نبه دارسي نفسه، نظر إلى خارج العربة وشعر بأولى قطرات المطر الحادة تخزه في وجهه. بدا له أن هناك جرفا متصدعا يتدلى فوقهم، وبدا له أن الجرف كئيب ومنيع، ولكنه حين كان ينظر إليه ارتجف الجرف وكأنه على وشك أن يقع. بعد ذلك عاد عقله إلى الواقع، فأخذت الصدوع في الجرف تتسع حتى أصبحت فجوة بين أشجار متقاربة كثيرا بعضها من بعض، وسمع برات يحث الجياد العنيدة لتدخل إلى الممر في الغابة.
ثم دلفوا في بطء إلى ظلام يعج برائحة الطين. كانوا يتحركون تحت ضوء القمر المكتمل الذي كان يرتحل خلفهم وكأنه شبح يرافقهم، فكان يختفي فجأة ثم يعاود الظهور مرة أخرى. وبعد أن قطعوا بضع ياردات، قال فيتزويليام إلى دارسي: «من الأفضل أن نتحرك على أقدامنا من الآن وصاعدا. ربما لم يكن برات دقيقا في تذكره للمكان ونحن في حاجة إلى أن ننتبه إلى المكان الذي دلف منه ويكهام وديني إلى الغابة وإلى المكان الذي من المحتمل أن يكونا قد خرجا منه. كما أننا من خارج العربة يمكننا أن نرى ونسمع بشكل أفضل.»
ثم خرجوا من العربة يحملون مصابيحهم، وكما توقع دارسي، أخذ الكولونيل مكانه في المقدمة. كانت الأرض لينة بفعل أوراق الشجر المتساقطة، فأصبحت خطواتهم مكتومة ولم يكن بمقدور دارسي أن يسمع سوى صرير العربة، وأنفاس الجياد المحمومة وصليل زمام الخيل. وفي بعض الأماكن كانت الأغصان فوق رءوسهم تتلاقى لتشكل نفقا كثيفا مقوسا لم يتمكن هو أن يلمح القمر من خلاله سوى بين الحين والآخر، ووسط سكون هذا الظلام لم يكن بمقدوره أن يسمع من الريح سوى حفيف خافت بين الأغصان العلوية الرقيقة، وكأنها لا تزال تسكنها طيور الربيع المزقزقة.
وكعادته حين كان يسير في الغابة، تحولت أفكار دارسي نحو جده الأكبر. لا بد أن سحر الغابة بالنسبة إلى جورج دارسي المتوفى منذ زمن بعيد كان يكمن في التنوع الذي يسكن الغابة وفي ممراتها الخفية وآفاقها غير المتوقعة. فهنا في ذلك المكان المنعزل الذي تحوطه الأشجار كالحراس، والذي تأتي فيه الحيوانات الصغيرة والطيور إلى منزله بحرية، كان الرجل يعتقد بأنه والطبيعة شخص واحد، يتنفسان الهواء نفسه وترشدهما الروح ذاتها. وحين كان دارسي صبيا يلعب في الغابة، كان دائما ما يشعر بالتعاطف مع جده الأكبر، وأدرك منذ وقت مبكر أن دارسي الذي لم يكن أحد يأتي على ذكره كثيرا - الذي تخلى عن مسئوليته تجاه التركة والمنزل - كان مصدر حرج للعائلة. فقبل أن يقتل كلبه سولدجر ويقتل نفسه، كان قد ترك رسالة قصيرة يطلب فيها أن يدفن بجوار الكلب، لكن العائلة تجاهلت هذا الطلب الآثم ورقد جورج دارسي بجوار أسلافه في الجزء العائلي المغلق من باحة الكنيسة الخاصة بالقرية، في حين حصل سولدجر على قبره في الغابة بشاهد من الجرانيت محفور عليه اسمه وتاريخ وفاته فقط. ومنذ طفولته كان دارسي يدرك أن والده كان يخشى أن يكون هناك ضعف متوارث في العائلة، فلقنه وغرس فيه منذ وقت مبكر الالتزامات الكبيرة التي ستقع على عاتقه بمجرد أن يرث، تلك المسئوليات تجاه كل من التركة ومن يعملون فيها ويعتمدون في حياتهم عليها، وهذا أمر لا يمكن للابن الأكبر أن يرفضه أبدا.
تقدم الكولونيل فيتزويليام بوتيرة بطيئة، وكان يدور بمصباحه يمنة ويسرة، ويتوقف في بعض الأحيان من أجل أن يلقي نظرة عن قرب أكثر على فروع النباتات المطبقة بعضها على بعض، باحثا عن أي إشارة تدل على أن أحدهم قد عبر من خلالها. وكان دارسي يفكر - وهو على علم بأن تلك الفكرة تنم عن الأنانية - في أن الكولونيل ربما كان يستمتع بما يقوم به حيث يمارس حقه في تولي زمام الأمور. وراح دارسي يسير أمام ألفيستون وهو يشعر بالمرارة وكأنه روح محطمة وكان الغضب يتصاعد بداخله بين الحين والآخر كدفق المد. ألن يتحرر أبدا من جورج ويكهام؟ تلك هي الغابة التي كانا يلعبان فيها حين كانا صبيين. كان ذلك الوقت الذي تذكر فيه ذات مرة بأنه كان سعيدا وخالي البال، لكن هل كانت تلك الصداقة بينهما أيام الصبا حقيقية فعلا؟ هل كان ويكهام الصغير حينها يكن له الحسد والضغينة والكراهية؟ تلك الألعاب الصبيانية الخشنة والمعارك الوهمية التي كان يخرج منها في بعض الأحيان مصابا بالكدمات - هل كان ويكهام مفرطا في شدته عليه ربما؟ تبادرت إلى ذهنه الآن تلك العبارات الجارحة التي كانت ساكنة في عقله الباطن سنوات طويلة. كم المدة التي كان ويكهام يخطط فيها لانتقامه؟ وفكرة أن أخته تفادت الوصمة الاجتماعية والعار؛ لأنه كان ثريا بما يكفي ليشتري سكوت غاويها المحتمل، كانت فكرة مريرة للغاية حتى إنه كاد يتأوه ويصرخ بصوت مرتفع. كان دارسي يحاول أن يواري عن ذهنه ما عاناه من إذلال في خضم حياته الزوجية السعيدة، لكن هذا الإذلال عاد الآن - وأصبح أقوى بفعل كبته له سنوات طوالا - في شكل عبء لا يحتمل واشمئزاز من النفس، وأصبحت أشد مرارة بفعل تفكيره في أن ماله فقط هو ما أغرى ويكهام للزواج من ليديا بينيت. وكان سخاؤه هذا نابعا من حبه لإليزابيث، لكن زواجه من إليزابيث هو ما أدخل ويكهام إلى العائلة وأعطاه الحق في أن يدعو دارسي بنسيبه، وكذلك الحق في أن يكون عما لفيتزويليام وتشارلز. ربما تمكن دارسي من إبعاد ويكهام عن بيمبرلي، لكنه لم يتمكن قط من إبعاده عن ذهنه وتفكيره.
وبعد خمس دقائق بلغوا جميعا الممر المؤدي من الطريق إلى كوخ الغابة. كان الممر مطروقا بانتظام على مدار سنوات طوال، وكان ضيقا لكن لم يكن من الصعب العثور عليه. وقبل أن يتمكن دارسي من البدء في الحديث، تحرك الكولونيل نحو الممر في الحال، حاملا مصباحه في يده. ثم أعطى سلاحه إلى دارسي وقال: «من الأفضل أن تحمل عني هذا. لا أتوقع حدوث أي مشكلة كما أنه سيثير مخاوف السيدة بيدويل وابنتها. سأتحقق من أنهما على ما يرام وسأخبر السيدة بيدويل ألا تفتح الباب وألا تسمح لأحد بالدخول تحت أي ظرف. ومن الأفضل أن أعلمها أن الرجلين قد ضلا طريقهما في الغابة وأننا نبحث عنهما. فليس هناك داع لأن أخبرها بأي شيء آخر.»
ثم انطلق وغاب من فوره عن الأنظار، وخفت صوت مغادرته وسط كثافة الغابة. ووقف دارسي وألفيستون صامتين. وبدا لهما أن الدقائق تمر ثقيلة، وبعد أن نظر دارسي في ساعته، وجد أنه ذهب منذ ما يقرب من 20 دقيقة قبل أن يسمعا حفيف الفروع وهي تنشق بعضها عن بعض، ليظهر الكولونيل مرة أخرى.
Page inconnue