La mort de l'homme seul sur terre
موت الرجل الوحيد على الأرض
Genres
وسأل الصوت في غضب: لماذا جريت وحاولت الهرب؟
رد كفراوي: كنت خائفا من الكلب.
سأل الصوت: هل تعرف لماذا اختارك الكلب من دون الرجال وجرى وراءك؟
رد كفراوي: لا. الكلب هو الذي يعرف.
سمع الضحك مرة أخرى، فتلفت حوله في دهشة لا يدري لماذا يضحك الناس.
قال الصوت بغضب شديد: لا تحاول أن تمكر علي، وخير لك أن تعترف، وإلا فهل تعرف ماذا ينتظرك؟
رد كفراوي: لا.
ورن الضحك في أذنيه وتلفت حوله في ذهول ودهشة، ثم أحس بأصابع حديدية تقبض على ذراعه وتسوقه إلى سرداب طويل مظلم، وأغمض عينيه وقرأ الشهادة مرة أخرى. •••
زكية لا تزال جالسة على الأرض في المدخل الترابي، وإلى جوارها زينب، صامتتين ... عيناهما شاخصة إلى الطريق، مرفوعة في غضب أشبه بالتحدي، أو في تحد أشبه بالغضب. في مواجهتهما لا يزال هناك الباب الكبير بأعمدته الحديدية الطويلة، يسد أمامهما الطريق، يحجب الجسر والنيل، ويظهر من ورائه العمدة من حين إلى حين، طويلا عريضا، يحيط به الرجال من كل جانب، يسير أمامهم بخطواته البطيئة الثابتة فوق الأرض، وفي عينيه نظرة زرقاء عالية مرفوعة نحو السماء، لا ينظر إلى تحت، ولا يرى الأرض، ولا يرى أن زكية وزينب جالستان على الأرض في مدخل البيت الترابي، شاخصتين صامتتين لا يرمش لهما جفن ولا تسقط لهما دمعة.
يدا زكية الكبيرتان راقدتان في حجر جلبابها الواسع الأسود، مشققتان غليظتان، حفر عليهما مقبض الفأس، وأظافرهما سوداء تفوح منها رائحة الطين والسماد، ترفعهما أحيانا وتمسك رأسها، أو تمسح العرق اللزج من فوق جبهتها، أو تهش ذبابة أو بعوضة. زينب إلى جوارها جالسة، يداها تعملان طول الوقت في تنقية الغلة أو عجن الروث بالتبن وتقطيعه دوائر بحجم الرغيف، وأحيانا تنهض وتحمل الجرة فوق رأسها وتسير إلى الجسر بجسمها الطويل الفارع، وعينيها السوداوين المرفوعتين، لا تنظر إلى أحد، ولا تلتفت ناحية بيت أو دكان، ولا تبتسم لأحد ولا تقول «العواف» لأية امرأة أو رجل، كما تفعل غيرها من النساء والبنات. وحينما تمر من أمام دكان الحاج إسماعيل تسرع الخطى، تكاد تحس فوق ظهرها لسعة العينين الزرقاوين، بنظرتهما الحادة القوية الثابتة لا تلين ولا تهدأ، تكاد تشق جلبابها من فوق جسدها، وتلتهم ساقيها الطويلتين الممشوقتين تصعدان إلى فخذين ممتلئتين لهما استدارة أنثوية ناعمة كفخذي أختها نفيسة، تزيد استدارة ونعومة عند ردفيها الملفوفين الصاعدين بحدة إلى خصر ضامر مشدود وظهر مرفوع قوي العضلات؛ ترفع زينب طرحتها بيدها وتخفي وجهها وصدرها، لكن النظرة الحادة الثابتة لا تلين ولا تهدأ، تشق جلبابها الواسع وهي تصعد الجسر أو تهبط، تلتهمها من الخلف ثم تدور حول جسدها العاري لتلتهم نهديها الصغيرين المدببين وهما يصعدان ويهبطان مع حركة قدميها السريعتين ومع دقات قلبها وأنفاسها اللاهثة، وشفتاها الممتلئتان منفرجتان تعلوهما رعشة، ووجهها أحمر بلون الدم.
Page inconnue