Encyclopédie de l'Égypte ancienne
موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول): في عصرما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي
Genres
وكان من يعرف هذه الأساطير والمعلومات التي لها مساس بالآلهة وطبائعهم يصبح وفي يده قوة سحرية تمكنه من أن يجعل الآلهة تحت سلطانه، ويجبرهم على خدمته لقضاء أغراضه السحرية، ولا شك أن الأساطير تمدنا بمعلومات أبعد عمقا عن الآلهة أكثر مما نعلمه عن شكلها الظاهري، وكذلك عن الحيوانات المقدسة التي تتقمصها وعن الأعياد الخاصة بها، وكان كل إله يتمتع بين طائفة عبادة بنفوذ عام، ولكنه مع ذلك كانت له مناطق نفوذ محدودة حيث كانت تظهر فيها آثار أعماله بكل قوة وسلطان، وهذه المناطق كانت وقفا عليه وحده، وذلك هو السبب الذي من أجله نجد أن ديانة كل مقاطعة بقيت مختلفة عن ديانة المقاطعة المجاورة لها، فمثلا نجد الإله «مين» (أو آمون) هو الإله الخاص بالتناسل، والخصب، والإلهتان «حتحور» و«باستت» إلهتا حياة «الحب والغزل»، والإلهان «وبوات» و«نيت» إلها الحرب، والإله «أنوبيس» إله الجناز والتحنيط وحارس الجبانة، والإله «تحوت» الذي يمثل القمر كان إله العلم والمواقيت «العلم نور»، والإله «حور» مظهر إله الشمس، وهكذا. على أن هناك صنفا آخر من الآلهة له عمل محدود معين في نطاق خاص، مثال ذلك: الإلهة «رننوت» وهي إلهة الحصاد خاصة، والإله «خنتي أمنتي» الذي يحكم في عالم الأموات «صورة من الإله أوزير».
الإلهة «باستت» برأس قطة.
ومن كل ما تقدم ترسم أمامنا صورة تخطيطية لعلم اللاهوت المصري؛ إذ نجد بجانب الآلهة المحلية أرباب المقاطعات آلهة أخرى يمكن أن تقوم بأعمال خاصة في أزمان وأحوال معينة. وهذه الآلهة قد تكون أحيانا خاضعة للآلهة المحلية، ومن هنا نشأ تأليف مجاميع كاملة من الآلهة تتكون في أغلب الأحيان من تسعة آلهة (يستثنى من ذلك مجموعة آلهة الأشمونين التي تتألف من ثمانية) وعلى رأسهم إله المقاطعة الأعظم، وفي بعض الأحيان نشاهد أن هذه الآلهة تعمل مستقلة عن آلهة المقاطعات، وهذا هو السبب الذي جعل السبيل سهلا لآلهة المقاطعات لتمد سلطانها إلى جهات بعيدة جدا خارجة عن منطقة نفوذها الأصلي، ويرجع الفضل في ذلك أحيانا إلى حوادث سياسية أو إلى قيام فروع عبادة لهذه الآلهة في مناطق غريبة عن دائرة نفوذها، وهناك عامل قوى ساعد على نشاط هذا التقدم والرقي الديني، وهو أن المصريين قد اعترفوا إلى جانب آلهتهم المحلية بسلطان القوى الطبيعية العظيمة التي تعمل بطرق منظمة في كل الكون، وتشمل كل الكواكب وعلى رأسها إله الشمس «رع» ثم إله القمر «أعح»، ويعرف في مدينة طيبة باسم «خنسو» (أي السائح) ثم النجوم، ونخص بالذكر منها «نجم الأبرق» من مجموعة الشعرى اليمانية «سبد» ثم نجم الصبح «ساحو»، وعندما كان يظهر نجم الأبرق في الفجر في نهاية شهر يوليو، كان ذلك بشيرا بوصول ماء الفيضان، وكذلك كان ظهور نفس النجم يعد بشيرا بالسنة الجديدة، ويحمل معه النباتات الجديدة.
أما مجموعة نجوم الجوزاء التي كان أظهر نجم فيها نجم الصباح «ساحو» فكان يلعب دورا مماثلا لسابقه؛ إذ يبشر بفصل جمع الكروم الذي يحل في شهر يوليو أيضا، وبقدومه تحل السنة الجديدة، ولهذا السبب يعد كل منها كائنا مقدسا، وقد أصبحا فيما بعد إلهين عظيمين، وذلك عندما تخيل المصري وجود مملكة للموتى في السموات العلى، فكان المتوفى ترتفع روحه إلى السماء، وتعيش بين جيش النجوم، وهم الأموات السعداء الذين يسهرون خلال الليل بالقرب من مصابيحهم، على أن نجم «ساحو» الجوزاء قد أصبح إله الموتى «أوزير». أما الشعرى اليمانية «سبد» التي كانت بجانب أوزير فقد أصبحت زوجه «إزيس» وابنها هو «حور» وقد اتخذا مكانا في السماء بالقرب من الرب الأكبر، وتتألف مجموعة أخرى إلهية من الأجرام الكونية من السماء والأرض، فكان إله الأرض «جب» في عرف المصريين يعد مذكرا، أما إله السماء فيعتبر مؤنثا ويسمى الإلهة «نوت»، وعلى العكس من ذلك نجد أن الماء الأزلي «نون» الذي خرجت منه آلهة القبة الزرقاء مذكرا، وقد وضع إله الأرض «جب » بذرته في أخته «نوت» ويعد «جب» أمير الآلهة، ولكن منذ ذلك العهد اضطجع «جب»؛ أي الأرض تحت قدمي «نوت»؛ وذلك لأن الإله «شو» إله الهواء فتقهما عن بعضهما بعد أن كانا رتقا، ووضع نفسه بينهما ورفع السماء بلا عمد، وصارت ترتكز على ذراعيه (كانتا رتقا ففتقناهما)، وهذه الفكرة بعينها نجدها مفصلة في أسطورة إله النبات «أوزير» وزوجته آلهة السماء «إزيس» وهما ابنا الإله «جب» والإلهة «نوت»، وقد أعقبا بدورهما الإله «حور» الذي يطلق عليه غالبا اسم «حور أختي» أي «حور» الأفق، وهناك أساطير تفسر لنا كيف اتحدت السماء مع إله الشمس، فيقال إن السماء ولدت الشمس من بطن «نوت» كما جاء ذكر ذلك في متون الأهرام، فيخرج «رع» ماشيا، ثم تلد «رع» كل يوم، ولكن بعد ذلك يرتفع إلى الشمس في جلاله وعظمته، ويلقح إلهة السماء فينتج نفسه في فرج أمه، وكثيرا ما تخيله المصري كذلك على هيئة «جعل» (خبرر)، وكانت هذه الحشرة كما يعتقد المصري تفقس صغارها دون أن تحتاج إلى أنثى، ويحدث هذا بوساطة كرة الروث التي نشاهدها تدحرجها أمامها كما يدحرج الإله بيضته؛ أي الشمس أمامه في السماء، وقد ظهرت نفس الفكرة كذلك في الأسماء التي تعبر عن إلهات السماء ك «حتحور» (بيت الإله حور)، و«إزيس» ومعناها مقعد إله الشمس. وهناك ما يحكى عن الإله «رع»، كان الإله «رع» بن «نون» المحيط السماوي، قد ظهر أولا في «هيراكليوبوليس» (إهناس المدينة)، وفي رواية أخرى في «هرموبوليس» (الأشمونين) على ربوة من الغرين ارتفعت من الماء الأولى، وقام بحرب ضد أعدائه، وبخاصة ضد ثعبان مارد يطلق عليه اسم «أبوبي»، وأهلك في إهناس القوم العصاة بمساعدة الإلهة «سخمت» (على هيئة امرأة برأس لبؤة).
ثم أعاد الخلق من جديد، وتقص الأسطورة علينا بعد ذلك أن عينه أصبحت بعد ذلك الحادث إلهة مستقلة موهوبة بقوة سحرية، وقد وحدها الكهنة فيما بعد بالإلهة «حتحور» والإلهة «تفنوت» إلخ، وقد ذهبت إلى بلاد النوبة وتوجه الإله «رع» إلى هذه البلاد ليبحث عنها ويحضرها، وأخيرا حكم «رع» الأرض سنين طويلة حتى أصبح طاعنا في السن وعندئذ طلب إلى ابنه «شو» أن يرفعه في الهواء على ظهر البقرة السماوية العظيمة، وبذلك أصبح يسبح في الفضاء كل يوم في سفينته، وسنعود إلى هذه الأسطورة مرة ثانية في مناسبتها، وقد ألف كهنة «هرموبوليس» خرافة أخرى لم نفهم كنهها للآن، وذلك أنهم تصوروا أن العالم قد خلقته ثماني قوى إلهية على شكل قردة، وقد عدهم الكهنة زوجا زوجا وكل زوج من أنثى وذكر، واعتبروها كأنها قوى طبيعية معنوية لا تحس، وهي الماء الأولى، والأبدية، والظلام، والقوى، ومن مجموع هذه الأزواج الإلهية الأربعة اشتق اسم مدينة «خنمو» (الأشمونين الحالية، ومعناها مدينة الثمانية)، وعلى رأس هذه المجموعة الإلهية وضع إله المقاطعة «تحوت» وهو إله القمر الذي أنشأ مقاييس الزمن وإليه ينسب كل المقاييس والأنظمة، وكذلك اخترع اللغة والكتابة والرسم، والتلوين، ووضع القوانين وطبقها، وكذلك كان يعرف بأنه وزير الإله «رع» وزوج الإلهة «معات» (العدل)، ومن آلهة الطبيعة كذلك «حعبي»؛ أي إله النيل، ويمثل على هيئة رجل ممتلئ الجسم ذي لحية وثديين عظيمين ومتوج بالأزهار وحول وسطه حزام يشبه ما كان يلبس في عصور ما قبل التاريخ، وربما كان تمثيل النيل برجل عامل دليلا على اعتقادهم في أن النيل خطط طرقه وجسوره كأنه مهندس ماهر رسم لنفسه ما يكفل لمصر وأهلها وأراضيها الخير الكثير في العهد الفرعوني فقط، ولا يبعد أن يكون السبب في عدم قيام عبادة منظمة له وحبس الأوقاف عليها يرجع إلى أن القوم كانوا لا يعبدونه أولا؛ إذ كانوا لا يستفيدون منه، ولكنه عندما نظمت مياهه أخذ القوم في عبادته، غير أن الآلهة الأخرى قد أخذت المحل الأولى في المقاطعات، ولذلك لم تؤسس له المعابد من أول الأمر، ومع كل ذلك فإن المصريين فيما بعد قدسوه وتمدحوا بخيراته في قصيدة عظمية ربما يرجع تاريخ إنشائها إلى عهد الهكسوس.
الإله «شو» يفصل بين إلهة السماء «نوت» وإله الأرض «جب».
وهناك عقيدة دينية نبتت من طائفة لاهوتية أخرى تقول بأن الآلهة وبخاصة «رع» و«إزيس»، قد جعلوا ماء النيل ينبع من منبعه السري عند دوامات الشلال الأول، ويأتون بماء الفيضان في ميقاته.
وإذا كانت الآلهة في اعتقاد المصريين لم يخلقوا العالم؛ لأن المادة كانت دائما موجودة وليست من صنع قدرة إلهية فإنهم من جهة أخرى على الأقل هيئوا فصول السنة ونظموها، وكذلك رتبوا سير الفلك وحياة النبات وبني الإنسان، واتخذوا مصر مركزا عاما للعالم، لأنها كانت المسرح الذي يمثلون عليه أدوارهم العظيمة الأثر، وحوطوها بالصحراء التي يسكنها أقوام من الهمج، وبالبحر الذي يحدق بكل العالم، وكان يرتبط بهؤلاء الآلهة القائمين على نظام الدنيا - وهم الآلهة العظام أجداد الأسرة الإلهية - الجم العفير من الآلهة الذين يعبدون في طول البلاد وعرضها، وكذلك الأساطير التي أوجدوها، ولما كان النور يأتي من الجهة الشرقية فقد أعتقد القوم أنها موطن الآلهة ومسكنهم، على حين أنهم اعتبروا الغرب وهو مملكة الظلام موطن «أوزير» ومقر أرواح الموتى، على أن هذه العقائد تتناقض دائما مع العقائد الأخرى القائلة بأن وادي النيل نفسه كان دائما المسرح الذي تمثل عليه حياة الآلهة وهو موطن نفوذهم.
على أن آلهة الطبيعة العظام مهما كان تأثيرهم على حياة الإنسان، لم يكونوا في يوم من الأيام موضع عبادة نامية لا في مصر ولا في غيرها، ويرجع ذلك إلى أن أعمالهم لها صبغة عملية منظمة لا فردية محدودة، ولا يستثنى من ذلك إلا الظواهر الطبيعية التي تعترض سير نظام الكون من وقت لآخر وتظهر بأنها تعرضه للخطر.
ومن ذلك خسوف القمر، أو تلك الظواهر التي تكون عودتها قياسية، ولكن يحدث من جرائها تغير الإله أو تألمه، ويكون من نتائج ذلك أن يحتاج الإله إلى أن يمد له الإنسان يد المساعدة بإقامة الأعياد وتقديم القربان، وهذا ما يحدث بالضبط في أعياد أوجه القمر، إذ يقام عيد لأول الشهر وآخر في ربع الشهر وثالث في منتصف الشهر، ولهذا السبب يلتجئ القوم إلى الأعمال السحرية. على أنه لا يفوتنا ملاحظة أن هناك آلهة محلية منذ القدم قد صبغوا بصبغة القوى العالمية مثل الإله «أوزير» رب النبات، والنيل وهو يسكن في معبده المقدس في بلدة أبو صير، أو الإله «مين» في الوجه القبلي وهو رب التناسل، وهذه الآلهة كان لا يمكن أن تقوم لها عبادة خاصة إلا إذا أصبحوا آلهة مقاطعات، ومثل هذه العبادة كانت ممكنة عند اليونان وغيرهم من الشعوب، وبخاصة عبادة الشمس (إله السماء)؛ وذلك لأنهم كانوا يعتقدون أن هذا الإله والد «قبائل» أو طوائف من دم واحد وقد بقي على صلة مباشرة مع نسلهم. وكانوا في الوقت نفسه يعتقدون أن مقره بعض أماكن معينة وبخاصة قلل الجبال العالية. أما عند المصريين فكان الأمر على العكس من ذلك؛ إذ كان الإله المحلي هو الذي يرفع إلى مرتبة القوى العالمية ويمتزج بها ويصير موحدا معها، ولقد لاحظنا منذ القدم أن الآلهة المحلية كانت فيها نزعة باطنية للتحول إلى قوى عالمية لأنها كانت ترى أن دائرة نفوذها في نظر أتباعها غير محدودة، وأن مواقيت أعيادها والأساطير التي تتصل بها مرتبطة بمواقيت الفصول الطبيعية، ولذلك أصبح الإله «تحوت» رب «هرموبوليس» المحلي منذ القدم، إله القمر، وبذلك يمثل بقوة عالمية، وكذلك الحال مع الإلهة «نبت» ربة «سايس» والإلهة «حتحور» إلهة دندرة فهما إلهتان تتقمصان الأشجار «شجرة الجميز» ثم أصبحتا فيما بعد إلهتين للسماء.
Page inconnue