Encyclopédie de l'Égypte ancienne
موسوعة مصر القديمة (الجزء الأول): في عصرما قبل التاريخ إلى نهاية العصرالإهناسي
Genres
أما في المقاطعة الأولى «الفنتين» (أسوان الحالية) الواقعة عند الحدود الجنوبية للقطر المصري، فكان يعبد فيها غير الإله «سبك» سيد «أمبوس» إله آخر يدعى «خنوم» كان يتقمص كبشا في معابد الفنتين، وكان يعبد بجانبه كذلك الإلهتان «ساتيت»
6
و«عنقت» في جزر الشلال، وكان يتكون من الثلاث ثالوث هذه الجهة غير أنه في هذه الحالة كان الإله خنوم متزوجا من اثنتين بدلا من الأب والأم والابن.
الإلهة «ساتت» تقدم الفرعون أمينوفيس الثالث إلى الإله «خنوم».
وكان الإله «خنوم» يعد أنه الإله الذي يخلق الإنسان ويصوره كالإله فتاح في منف، وكان يسوي المخلوقات على عجلة كصانع الفخار، فكان كل طفل يولد من صنع يده وإليه ينسب حسن تركيب أجسام المواليد، وكان يعرف كذلك بأنه رب الماء العذب
7
الذي ينبع من هذه البقعة، وكان يعتقد المصريون أن حدود بلادهم جنوبا تنتهي عند هذه النقطة، بل والعالم كله كذلك، ولذلك ظنوا أن النيل ينبع من هذه البقعة.
ومما يسترعي النظر من بين معابد هذه الآلهة المنتشرة في الوجه القبلي معابد الإلهين «حور» و«ست»؛ إذ كانت لها أهمية عظيمة في طول البلاد وعرضها، وهنا يجب أن ننبه الأذهان إلى أن هذين الإلهين لم تكن لهما علاقة في الأصل بالإله أوزير أو الإله «ست» بل في الحقيقة كانا أخوين متخاصمين، فكان «ست» يمثل الظلمة الدامسة والهلاك، على حين أن الإله «حور» كان يمثل النور الذي يسطع بين نجوم السماء، ويحلق في الفضاء على هيئة صقر عيناه الشمس والقمر، وهو يقوم بحرب أبدية على الإله «ست» دون أن تسفر انتصاراته المتوالية عن القضاء على خصمه، وعندما يحدث خسوف القمر يرى المصريون في ذلك أن الإله «ست» قد اقتلع عين «حور»، غير أن الأخير ينتقم لنفسه بانتزاع خصيتي عدوه، ثم ينزل الإله «حور» بعدوه «ست» هزائم دموية، ثم تطالعنا الأساطير بعد ذلك بأن الإله «تحوت» إله الأشمونين (هرمس) يظهر في هذه الآونة على المسرح ممثلا إله القمر ويشفي جروح المتخاصمين، ومن ثم يذهب كل منهما ليحكم في ملكه فيقسم وادي النيل بينهما، فيكون الوادي الخصيب من نصيب الإله «حور»، أما الصحراء القاحلة (الأرض الحمراء) فتقع من نصيب الإله «ست»، ويتصل بهذه الأساطير التي نجدها مذكورة بصور مختلفة في تاريخ الديانة حسب المذاهب، بعض نقط ترجع بها إلى العبادات المحلية كما سبق وأشرنا إليه في أساطير الدلتا وبخاصة ما يشير منها إلى الإله «حور» الذي نشأ في مناقع الوجه البحري، وتدل الأحوال على أنه كان في الأصل صقرا، ولا نزاع في أن مثل هذه الأمور العرضية التي تظهر في ديانة المقاطعات، نلاحظ أن صبغة الأسطورة العالمية تنمحي تماما أمام ما ينسب إلى الآلهة المحلية في هذه المقاطعة أو تلك؛ لأن القوم كانوا فيها يعتبرون إلههم المحلي أعظم الآلهة.
على أن هناك حقيقة يمكن استخلاصها بكل جلاء ووضوح، وهي أن الإله «ست» منذ فجر التاريخ كان يعد بين الآلهة الرئيسية التي كانت تقدس في الصعيد ، وكانت عاصمته بوجه خاص هي بلدة «أمبوس» الواقعة قبالة قفط، بين جبانة نقادة القديمة وقرية البلاص الحالية؛ أي إنها كانت واقعة في قلب أقدم مدنية مصرية، وكان يلقب في هذه الجهة رب البلاد الجنوبية ويعبد على هيئة حيوان خرافي لا وجود له في مصر، ويحتمل أنه هو العقاب الذي عثر عليه في أعالي نهر الكنغو، ولا يبعد أنه كان من حيوانات مصر في ذلك العهد ثم تقهقر، وكذلك كانت عبادته منتشرة في المقاطعتين الحادية عشرة والتاسعة عشرة، وعاصمة الأولى «سشحتب» (شطب الحالية) والثانية مقاطعة «أكسرنكس» (البهنسة) جنوبي مقاطعة «إهناس»، وكان الحيوان المقدس في هذه الجهة سمكة ذات فم مدبب «القنومة».
أما الإله «حور» فكان مقره إدفو عاصمة المقاطعة الثانية، وكان الصقر يمثل إله الشمس وصار يرمز له بقرص الشمس ذات الجناحيين القويين، ويتدلى من كلا جانبيه «صل» (ثعبان) وكان القوم يعتقدون أنه يولد كل يوم في الأفق، ثم يتوالد بنفسه من جديد في رحم أخته وزوجته «بقرة دندرة» التي تحولت إلى إلهة السماء، ومن أجل ذلك أطلق عليها اسم «حتحور» ومعناه بيت الإله «حور» أي الشمس، ولذلك كان يرسم قرص الشمس ناشرا جناحين عظيمين تذكرة لأصل الفكرة. على أن انتشار عبادة «حور» لم تقف عند هذا الحد، بل كانت أعظم شأنا من ذلك. إذ نجدها سائدة في المدينة التي ستصير فيما بعد العاصمة الملكية «نخن» (الكوم الأحمر)، وتقع على الضفة الغربية من النيل قبالة مدينة الكاب (نخب)، بل وفي المقاطعة الخامسة التي عاصمتها «قفط» وقد رمز لها بصقرين، وكذلك في مقاطعة المهى «السادسة عشرة» وفي مقاطعة جبل «الثعبان» 12، ولا جدال في أن نفوذ هذا الإله قد امتد إلى هذه الدرجة لأسباب سياسية؛ إذ الحقيقة أن الإله «حور» مدين بانتشار عبادته في الوجه القبلي لغزو هذه البلاد وفتحها على يد أتباع «حور»، وتدل الأحوال على أن مقر هذا الإله الأصلي بلدة «بوتو» إبطو «تل الفراعين الحالية» وأطلالها بالوجه البحري بالقرب من دسوق، ومن المحتمل أن عبادته قد نقلت في هذه الفترة إلى الوجه القبلي، وذلك لأن «حور» كان إله الدولة، ثم توحد فيما بعد مع الإله المحلي لإدفو واسمه «حور» أيضا، وقد تكلمنا عنه من قبل، وقد حدثت تغيرات وحوادث مثل هذه في أمر انتشار عبادة الإله «ست» في الوجه القبلي، غير أن المصادر تعوزنا للوقوف على حقيقتها. ولا شك في أن كيفية عبادة هذين الإلهين قد حدث فيها تغيير وتحوير، وذلك يرجع إلى أن عباد «حور» قد انقسموا في الوجهين القبلي والبحري، ومنذ ذلك العهد أخذت الأساطير الشكل الذي عرفناه فيما بعد، ومن المحتمل كذلك أن يكون قد حدث مثل هذه الحال في أمر الإله «ست»، فتكون عبادته قد نقلت إلى الدلتا، ولم يكن معروفا من قبل فيها إلا بالدور الذي لعبه في قصة «أوزير»، ولم تكن له في الدلتا أية عبادة خاصة قائمة بذاتها، وقد دلت الأبحاث الحديثة على أن الإله «ست» كان يعبد في الدلتا منذ الأسرة الرابعة، ولا يبعد أنه كان يعبد فيها من قبل في نفس الإقليم الذي يحمل في ثناياه اسمه «سوتريت» وموقعه الآن بالقرب من بلدة «تانيس» (صان الحالية).
Page inconnue